آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 7:26 م

ترمومتر الحب والكراهية

كاظم الشبيب

المرء قبل أن يحب هو غير المرء الذي أصبح عليه بعد الحب. والمرء قبل الكراهية هو غير المرء الذي أمسى عليه بعد الكره. فينطبق على حال الإنسان حينها القول بأن ”بقاء الحال من المحال“. لذا حتى أقرب الناس للمرء، والعارفين به وبما آلت إليه أحواله قد يتعجبون من تحولاته لعدم معرفتهم بالتحول الحاصل لديه من الحب العميق أو الكره العميق. فكما أن شدة الحب تُعمي وتُصم، كذلك شدة الكراهية تعمي وتصم. من هنا تبدأ التحولات في شخصية المرء.

فلدى كل واحد منا ترمومتر رقمي شديد الحساسية في حالة من الصعود والنزول على الدوام. ونحن نتغير تجاه فلان من الناس بمقدار ما تصعد وتنزل درجة محبته وكراهيته داخلنا. ونجد ذات الحال لدى أهل كل هوية، فلديهم ترمومتر سريع القرأة والحساسية تجاه كلام ومواقف الآخرين تجاه هويتهم، ويختلف حال المجتمعات ومواقفها كذلك قبل وبعد الحب والكراهية. لذا ينبغي أن لا يفوتنا التساؤل عند محاولة تحليل موقف مجتمع ما إن كان قبل ذلك محباً أو كارهاً لهذه الجماعة أو تلك. فالمقياس الذاتي للمشاعر لدينا كأفراد وكجماعات يعمل ذاتياً على مدار الساعة لا يمكننا إيقافه، يعمل كجهازي التنفس والقلب. يرسم ردود أفعالنا تجاه كل كلمة حب أو تجاه كل موقف كراهية.

ما يُحدثه الحب من أعراض وأثار، وبشكل معاكس، تُحدثه الكراهية. وهو ما أراد قوله الكاتب والروائي الألماني ”باتريك زوسكيند“ حول الحب العميق حيث كتب: عندما يتابع المرء نظرة عشيقٍ إلى معشوقهِ تكفي لإثبات أن هذه النظرة فارغة، إنها كما يقال بحق مستسلمة. كل ما كانت توحي به سابقاً من فطنة وذكاء ويقظة وفضول وحذر اختفى. وبقيت نظرة المتصوف، الذي يعتقد أنه يرى الرب، بقي تعبير الحماقة الصرفة. إن ظاهرة التبلُه نتيجة الحب لا تنحصر بالمناسبة فقط بنوع الحب ذي الصبغة الجنسية، بل كثيراً ما نجده في الحب الكلبي عند الأبوين تجاه الأولاد العقوقين، وفي الحب الروحي عند الراهبات تجاه زوجهن الرباني، وكذلك في الحب التعبدي للرعايا تجاه الوطن أو تجاه الأب القائد. ثمن الحب يُدفع دائماً بخسران العقل، بالتضحية بالذات وما ينتج عنها من قصور الأهلية العقلية. إن النتيجة في حال الإصابات الحميدة هي إثارة السخرية، وفي الحالات الخبيثة كارثة على الصعيد السياسة الدولية. *

في المقطع المرفق إنارة خفيفة لزاوية من الموضوع: مقياس المشاعر: