آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:48 ص

الكَرَمُ وَالنَّخْوَةُ - حَدَثٌ وَحَدِيْثٌ 6

عبد الله أمان

لَعَلَّ أريحيةَ الكَرَم، وسَمَاحةَ النَّخوَةِ الحَاضِرتين الظَاهِرتين، في جَوف ثنايا مَناحِي وأَحوَال السلوك الفَردي والجَماعي تُشكِّلان معُا، رِفقة تَوأمَين مُتماثِلين مُنزلقين مِن أَصل بِطانة وحَضانة رَحِم وَاحد… فالكرمُ مُنفردًا، يُمثِّل نَزعة سَامية مُتأَصِّلة؛ ويُخالِل مُمارَسة ذاتية رُوحِية عُليا، تَتصدَّر قائمة أَخواتِها مِن صِفات الكمال الإِنساني الجَميلة الجَليلة، التي تَسمو رِفعَةً، ومَنَعةً، وقُوَّةً، بإِنسانية الإِنسان، قَولًا وفِعلًا؛ وتُؤَلِّفان وَشائجَ المَحبة بين سُويدَاء القلوب؛ وتُوحِّدَان أُنسَ المَشاعِر؛ وتَلمَّان شَتَاتَ الشَّمل، على أَشفار مَائدة أَنفاس الضيافة الروحية المُشتركة الماتِعة ”بقَضِّها وقَضِيضِها“ وتُسدِّدان وتُوطِّدان صَهوة أَواصِر العَلاقات المُتحابِّة بين ثُلة الأَفراد المتآلفين؛ وتَزيدان مِن قُوة لُحمَة التعاضُد؛ وتُضَاعِفان مِن مَتانة رِباط التلاحُم بين قُلوبهم… وأَمَّا شَهامة النخوة الوادعة، التوأم النِّد المُماثِل، في أَجمل حُسن سَحنتِها الغَراء، وبَدِيع طَلَّتِها القَمراء، وأَنِيس صُدغِ جَانبها البهي الأَغَر، وجَمال 'تبرُّجها" المُزاحِم الأَبَر، ورِقَّة وَقع خَطو مِشيتِها الهُوينى المُتهادية، على استِحياء واحتِشام، تَشدُ بنهضتِها الرشيقة؛ وتؤازرُ بناعِم نَفرتِها الحَثيثة؛ وتَندَى بسَمَاحة خُلُقِها القويم؛ وتُوقِظ بدبِيب خِفَّتِها المَعهُودة، مَنابع ومَرافئ فَيض، وتدفُّق، وانسياب نَاعِم مَشاعر أَحاسيسها؛ وتَجُود وَفاءً وسَخاءً، بغَزارة وغَمر عِزَّتها الجَاذِبة الفُضلى؛ وتُستَضَاف وِدًا، بجُلّ وَداعتِها الرشيقة المُثلى، وتَمام هَدأتها الرقيقة؛ وتبجَّل بوَقارِها الكامل الشامل استلطافًا، بكل أَريحِية وطَواعِية؛ وتُدعَى صَبابًة، بصحِيح نَسَق ونِظام، وأَدبيات، وأَنماط أَشرَف أَيقُوناتِها الاجتماعية الحِسَان، إلى أَحضان لُزوم الاحترام الذاتي، تشريفًا؛ وتُنادَى بامتياز، إِلى أَقرَب وأمتَع ضِفاف شَواطئ ضِيافة الارتياح الوِدِّي، إِجلالًا؛ وتَستأثِر، بأَصل فِطرتها السامية حَتمًا، بليَاقة حُسن القَبول؛ ويُحتَفى بها تِباعًا، في أجل وِقفَة الإِعظام والإِكرام؛ وتُقايَض رِقَّتها البِكر البادِية الكاسِية، بنَظرةِ الإِكبار، تَشرِيفًا؛ ويُضاف رَيعُها الصافِي المُصفَّى إِلى نِبالة عُمق سَخاء ودَماثة سُرادِق التضامن؛ وتُصار مَصُونَة مَحروسَة إِلى مَقام سُدَّة عَرَاقة أعلى، وأَرفع، وأشرف مِنصَّات أُفُق التكافُل الاجتماعي المَحمودَتين، إِجْلَالًا، وتَكريمًا، قلبًا وقالبًا.

هَذا، ولن أَتكلم هُنا، عن مَواقف وقَصَص الكرم؛ وأُثنِي مُتفاخِرًا مُتباهِيًا، على مَناحِي ومَشاهِد النخوَة العربيتين مَعًا، في أَوج رَبيع عَصريهما الذهبيين: الجاهلي والإِسلامي، وقد فاضَت بذِكر مَحاسِنِهما المُتأَلِّقة اَعرَق دَواوين الشعراء؛ وذاعَت بالتغنِّي الفاتن رَدَحًا، بطَلاوتهما الباهِرة فُلُول الأَجيال المُترنِّمة؛ وأُتحِفَت بطليعة مَراسيم مَواكب حَفاوتهما العطِرة النضِرة، أَجلَّ، وأَعلَى، وأعزَّ، وأندى مَوائد الفخر؛ وسَادت بين مَناكِب أَوسَاطها الكَريمة المُكرَّمة أجوَد وأَسمَى مَبادئ السماحة الفُضلى؛ ورَاجت بين أَحضَان أَرائك أَكنافِها المِضياف قِرَاء الضيف، وإِغاثة، ونَصرَة، ورِعاية الملهوف … وتطول سَرد قائمة جُل أَطياف الكرم، ومُعطيات رِفد النخوة…

ولكني هُنا، سَأَطرِقُ مُتيقظًا مُتفائلًا، بَابًا مُوصَدًا؛ وأَفتحُ برفقٍ مُستبشِرًا، نَافذةً مُغلقةً، مُتفحِّصًا مُطَّلِعًا عَن كَثب، على ثقافة أمَّة أُخرى مُعاصِرة مُتباينة، لها نَصيبها الوافر، ورَيع حِصتها المَقسومَة مِن تقلُّد وِسَام سِمتا النخوة السخية، وانتهاج رُوَاء الكرم الضافي... وفي مَسرح ذلك المَشهد النائي مَسِيرة، والداني تَصورًا، قد لايَعرف - عزيزي القارئ الأَغَر - عَن حَقيقة غَور بعضٍ مِن أَبسط أَسرارِها الخفية، الكثيرون مِنا، عَن قُرب! … ولعلَّ طَوعَ نَصلِ القلم المِضياف، وصَفاءَ بَوحِ الذاكرة السخِي، يَقْودانني كِليهما ”بدِراية وهِداية“ إِلى ذِكر وسَرد بعض الأَمثلة الحية مِنها - على سَبيل المِثال - والبارِزة نبضًا في ذَروَة سَنام ذاكرتي المُتواضِعة، مِن صَميم أَوسَاط وأَنمَاط المجتمع الأَمريكي… ففي الثلث الأَخِير مِن رَبيع عَقد السَبعينيات مِن القرن المُنصرِم توثِيقًا، كُنت أَحدَ الطلاب المُبتعثِين للدراسة الجامعية في الولايات المتحدة الأَمريكية، وبالتحدِيد في وِلاية تَكساس برفقة الزوجة، وطِفلة في أَول ربيعها الثالث؛ والجدير بالذكر، كنت آنذاك، لا أَعرِف قِيادة السيارة؛ وقد اعتمدت، في الشهر الأَول مُنذ أَول قُدُومِي والتحاقي بمعهد تعليم اللغة الإِنجليزية، التابع للجامعة، على التنقل في سيارات الأُِجرة، التابعة لشركة النقل الخاصة، حَيث على الزبون الاتصال برقم الهاتف الثابت للشركة، وتَرك اسم الشارع، وعُنوان المكان، ثم الانتظار لِبُرهَةٍ، رَيثما تَحضُر سيارة الأُجرة، في وقتٍ لَاحقٍ... هذا، ولم يستقم لِي الأَمر على سَير ذلك المِنوال المُمِل طَويلاً؛ حَتى اضطررت إِِلى النزول المُستسلِم إِلى سُدة الميدان، وتلبية نِداء تَعلُّم أصُول السِِّياقة الضاغِط، وبالفعل، فقد اشتريت سيارة مُناسِبة مُستخدَمة مِن إِحدى الصالات القريبة؛ وقد استهلت مَعي ”كُورس“ تعليم سِياقة السيارة، سَيدة أَمريكية مُسِنَّة مَشلولة جُزئيَّا، في مُنتصف عَقدِها السابع؛ وكانت تَتقاضَى عَشرة دُولارات، عن كُل ساعة تدريب. وبَعدها، تقدَّمت رَسميًا بطلب الرخصة إِلى إِدارة المرور؛ وهناك اجتزت اختبار النظر؛ وأُعطِيت كُتيبًا شاملًا بأَنظمة السير؛ لدراسته؛ ثم الاستعداد للاختبار التحريري؛ وقد نَجحت في ذلك؛ ولاحِقًا أُعطِيتُ مَوعدًا آخرًا مُحددًا لأداء الاختبار العملي المَيداني دَاخل شَوارع المدينة؛ وبعدها نجحت فيه مَيدانيَّا؛ وتسلَّمت رُخصة القيادة الرسمية… وبَعد شهرٍ واحدٍ ذهبت، برفقة الأسرة، في إجازة عُطلة الأُسبوع، إلى مدينة ”دَلس“ القريبة الشهيرة بجَذب مَبانيها الحَديثة الشاهِقة في زَهو تَطاوُل ”ناطِحات السحاب“ وتقنية تخطيط شَوارعها المُتَّسِعة المُشجَّرة، وتنوُّع وتعدُّد مَيادينِها الواسعة الفخمة، وعَظمَة شبكة جُسورِها المُتعددة الطوابق، هَذا، وبعد الاستمتاع بمِشوار التََطواف المُبهِر المُبهِج، أَردت العَودة بأَدراجِي إلى مَدينتي الصغيرة ”دِنتون“ بعددٍ مِن المُحاولات والكرَّات اليائسة؛ للخُروج الآمِن مِن زَحمَة دَلس؛ وأَخيرًا، أَوقفت السيارة في جانب شارع داخلي، طلبْا للمساعَدة؛ لأَسأَل مُواطنًا أَمريكيًا بَدينًا، كان جالسًا خارج ”بوفِيه“ صَغير، عن خارطة الطريق المؤدِّي إِلى مدينة دِنتون؛ وكان يتناول فَطِيرةً؛ فأجابني: مَهلًا، لأُنهِي الوَجبة! … وبَعدها استقلَّ سيارتة ”البيكب“ وأَشار لي بأن أَتبعه… وبَعد جَولة مُثابِرَة، وصَولة مُناوِرَة، داخل أطراف مدينة دَلس المُتشعِّبة المَخارج، والمُتعددة المَداخل، فيما لا تَقل مُدتهما المُتواصلة عن عِشرين دقيقة، خفَّف الدليل - صَاحب النخوة، ورَأس الشهامة - مِن سُرعة سيارته، وتوقَّف مُهدِّئًا مُترفِّقًا على جانب الطريق؛ ليشير لي، بعطف ولطف، إِلى ظُهور لَوحة مَفرق دنتون، ثم حَياني، بأَرقِّ حَماسة ظاهرة، وأَهداني أَجملَ ابتسامةٍ فاخرةٍ؛ وبَادرني طَوعًا بأَندى إِشارات ومَراسم، وتحَايَا التودِيع المَعروفة؛ وعطَّر رَهِيف مَسامِعي بأَعذَب عِبارات الوَداع، وحَييته بمِثلها!

أَما الموقِف الثاني الدال على سِمة صِفة الكرم، المُتجسِّدة في شُفُوف نَسِيج رِدائها الناعِم الأَملَد... فقد عَاصرته وشِهدته عِيَانًا جِهَارًا، في مُنتصَف الثمانينيات مِن القرن الميلادي الماضي، أَثناء عَودتي لإَكمال مِشوار الدراسة المُقرر، بعد انقطاع، في حَرم الجامعة نفسِها؛ وقد سَجَّلت كُورسًا، كَمتطلب أَساسي في علم السياسة، «Political Science» وهو كُورس أساسي، يُدَرَّسُ - مَرَّة واحدة - لكُل الطلاب الأَجانب، في كافة التخصُّصات الأَكاديمية؛ يُقدِّم لَمحةً تَعريفية تاريخية سِياسيةً جِهاديةً خَاطفةً شَامِلة، عَن بِداية تأسيس، وبِناء، وإِنشاء، وإِعمار، وتَوحيد، وتَوطيد، واستقرار نفوذ وَحدة الوِلايات المُتحدة الأَمريكية؛ ورَسم مَوارد َّاقتصادِها، وفَرض اُسس سِيادِتها، وتَنظيم شؤونِها الداخلية… ومِمَّا يُذكر أَنَّ قاعَة المُحاضرة الفخمة كانت تَحوي مَا يَربُو على مِئتين وخمسين طالبًا وطالبةً، في وَقت وَاحد، مِن مُختلف الدول؛ خاصة مِن دُول الشرق الأَوسط، وشرق آسيا… والمُلاحَظ المُلفِت آنذاك، أَنَّ المُحاضِر اليقِظ كان يَستغرق بَعض الوقت عِند بِداية كُل مُحاضرة؛ ليسجِّل الحُضور، وكَثيرًا مَا يَشد شَعرَ رأسِه تأففًا وامتعاضًا، أَثناء تلعثُمه المُستمِر في لفظ أَسماء الطلاب والطالبات، عند مُناداتهم بأَسمائهم؛ وكان يُردد بتَبرُّم وسَأْم: «مَا كل هذه العَناقِيد مِن الحُرُوف؟!» … وأَخيرًا استعان بأحد الطلاب مِن الجنسية الشرق آسيوية؛ ليساعدَه في تسجيل حُضُور الطلاب والطالبات… وأَمَّا عَدسة الموقِف - المُحتفَى به - التي صَوَّرت بَدء قَدح مُستصغر شَرارة لَفتة، ولَمحة، ولَقطة، الكرم المُشرِّفَة المَشهودَة هُناك، هُو أَنّه بعدَ أَن أَنهى جَمع الطلاب والطالبات أَداء الاختبار النهائي، أشار المُحاضِر النبِيه إلى الجميع بالحضور أَصَالةً، في وقت مُحدد إلى مَنزله؛ لأَخذ الدرجة الخِتامِية للكُورس… وبالفِعل حَضرت أَنا شَخصيًا، إِلى سُدة المكان، وفي سَاعة الزمان المُحددَتين، في وَسَط لَفيفٍ مِن الزِّحام؛ ليُفاجِئ، ويُباغت، ويُلفت المحاضر نفسُه انتباه الجميع بإعداد بُوفِيه مَفتوح، تنوِّعت في سُطُوح أرفُفِه مُختلف المأكولات والمشروبات، تكفي مَؤونته المُعَدَّة الحاضِرة، باهتمامٍ، وإِعداد مُسَبَّقين، لجميع صُفوف الحاضرين، وقد عَلَّق الأُستاذ عَينُه قَوائم الدَرجات، بعد أنْ تَلذذ واستمتع الجميع بالمأكل والمشرب!

هَذا، وليس ظِلُّ هَذين المَوقفين المَذكوربن هُما الأَوحَدين في ثنايا سِجلِّ أَرشِيف ذَاكرتي المُتخَمة حِملًا، بعَددٍ وافرٍ فائضٍ، مِن مُختلَف المَواقف، ومَددٍ مُتنوِعٍ مِن شَتى المَحطات الاجتماعية المُشرِقة المُماثلة لهُما؛ بَل هناك، في جَوف سَلة ذاكرتي المُتخَمة الحُبلى، الحَالمة في دَوامَة مِنصَّة خَشبة ذلك المَسرح القائم الراهن، بأَجوائِه المُثيرة الساخِنة، مَا لا يَتِّسع المَجال لذِكرِها، ولا يَسمَح وِطَاء الفُسحَة لسَردِها، في حَنَايا طَيات نَسجِ ونَثرِ فِقرات سُطور هَذه الخَاطِرة المَاطِرة، في طُول وعَرض أَعماق مِشوار رِحلتِي الدراسية الأَخَاذة الاستكشافِية إِلى الربُوع والمَناحِي والجَنبات الوادِعة في عُمق أطراف الولايات المتحدة الأَمريكية؛ وتَحديدًا، في وِلاية تكساس، المُحاذية لأقصى حُدود التخُوم الجنوبية… ولَست هُنا، أَكاد أَنسى - بإهمال وإِقلال - في ركن خِتام سُطور، بزُوغ وشُروق، فِقرات، هذه الخاطِرة الخاطِفة، أصَالة، ونِبالة، وكَرم زُملائي السعوديين الأَطايِب الأَماجد، مِن شَتَّى المُحافظات؛ ولا أَكادُ أُنكِر غَفلة، بَسَالة نَزعة نَخوتِهم المُتأصِّلة في صَميم دَيدَن طِباعهم الكريمة الراسخة، قَلبَا وقَالبُا… وكَم جَمعتني وإِيِّاهُم أَجمل مَوائد سَنِيَّة مَاتِعة، في أكثرَ مُناسبات وَلائم العَقِيقَة، وأكبرَ سَائر مُناسباتهم الخاصَّة؛ وأَغرقتني، بشَهامة ورَصانة، فُيوضَ النخوة الذاتية، وبلَّلَتني برِفدِها وعطائِها، الرائِد الماجِد، شآبيب الكرم المِعطاء؛ ونعِمت كَثيرًا بصُحبتِهِم المَتينة، في بِلاد الغُربة؛ حَيث كانت لي، بحَقٍ وصِدقٍ، هَمزةَ المَحَك الرابِط الساخِن، ورِدءَ المِقياسِ الكُفءِ الصادقِ الراهَن؛ للثبات الحازِم على جَادة مَحطِّ قِمم شَواطئ أصَالة الوِد، وصِهاء نخوةِ الصداقَة، ومُتكأِ سَماحة البشاشَة، ووَثِيرِ أَرائك الصحبَة، ودَماثةِ مُحَيَّا طَوياتِهم الحَسَنة النبيلة؛ والمُثول القائم أمام غَزارة مَعين أَخلاقِهم القويمة؛ وسَبر مَجَاس التحقق الفاحص المَحسُوس، مِن صَفاء نَمير، وزُلال وسَلسبيل جَِلاء ونَقاء، ونَجابة، أَرُومة مَعدِن نَبعهم المُتدفِّق، بصِدق النوايا؛ والمُعطَّر مُروءةً ونَخوةً، بأَريحية القَبُول؛ والمُعفَّر طَوعًا وسَماحة، بواسِع أَناةً دَمَاثة؛ والمُطيَّب بنُبل مَنابع الاستطياب الذاتيين؛ والمُزدَان قُربُا ودُنوًا، برُجُولة المَساعِي النِّد النجيبة الحميدة، بين أَبناء البلد الواحد!

كَما لا يَفوتني، في جَوف أَسفاط هَذه الخاطرة المُتواضِعة الحُبلى، قبل أَنْ أشرَع بإِحكَام شَدَّ وِثَاق الوِكَاء، وإِسدَال رِداء الغِطاء، أَنْ أَشيد بزهوٍ وتباهٍ، وأَمتدِح بفخرٍ واعتزازٍ، برَوابطِ رِزَم أَطياف الجُمعة السامِية؛ وأَثنِي، بوَفاء واقتدار، على أَكدَاسِ حِزَم أَسرار، وأَكوام بَوح طائفة طلائع القَواسِم المُشترَكة الجامعَة بين بَني البشر، على اختلاف جِنسياتِهم، وتَباين أَنماط أَلسِنتِهم، وتَعدُّد مُيولِهم، وتَنوُّع مَشاربِهم، وتَشعُّب هَوى أمزجتِهم، وتَقارُب وتَنافُر سَائر نَسَق نَهج طِبائعِهم؛ فيما يَخُص ويَعُم مَقام، ونَزعة، ونَفرة سِمتي الكرم والنخوة المتآلفتين… فَهُما، بحَق وكَفاءة، مِن أَسمَى، وأَنمَى، وأَرقَى السمات المُتأصِّلة النابِتة بطَلَاقة المَورِد؛ والسالِكة بلَطَافة المَحْتِد، في عُمق طِباع، وسُلوك، ودَاخِلة النفس البشرية الواحدة؛ ومِن نَافِلة القول السائد؛ وإسداء التمثُّل الناقِد، في سُطور مُتناول دفتي مُحتوى دِيوان الأَمثال الشعبية المُتداولة عِندنا: «الطبعُ يَغلِب التطبُّع»

وجَميعنا، بتوفِيق مِن الله وهِدايته، يَعبد، يَركع ويَسجد - بتذلُّل وخُنوع وخُضوع - لِهيبَة وعَظمَة الخَالق المُبدِع المُصوِّر؛ آملين، مُبتهلين، راجِين، طامِحين وضَارعِين أَنْ يَغسِل ويَمحُو الله لنا رَين ذُنوبِنا؛ ويَحطَّ عَنا مِن ثُقل أوزارِنا؛ ويُخفِّف عَن كَاهِلنا حِمْل خَطايانا؛ ويُِنجِح لَنا مَبْلَغ طَلِبَتَنا؛ ويُهيئ لنا مِن سائر أَمرنا رَشدًا؛ ويَهب لنا أَعلى مَراتب الذُّرِيَّة الصالحَة؛ ويَرِينا، شَوقًا، وطَلبًا، ورَغبة؛ ويُغشِّينا أَمَنَةً وأَمنًا، وسَلَامًا؛ ويُسبِغ عَلينا مِنَّةً، واطمِئنانًا وأَمَانًا؛ ما يُسعدنا، مِن أَسمى وأَجلِّ مَقام أَشرَف مُنتهى غَايات الرِفد السنِيَّة؛ ويَنالنا مِن أَجود مُحَصَّلة عَطاءات أَندَى أَطياف فُيُوئهم الظليلة، مِن أَسمَى وأَنمى وأعلى سَعادة مَراتب الدنيا، وأَدوَم وأَبقى وأَنقى نَعيم دَرجات الآخرة؛ ويُمتِّعنا، ومَن يَعزَُ عَلينا، تكرَُمُا، واحتسابًا، واكتفاءً، بحُسن الخاتمة المَأْمُولة، سِرَاعًا جِهَارًا؛ وأَنْ يتوفَّنا مُسلمين، ويُلحِقنا تِباعًا، بالصالحين؛ وأَن يَتلطَّف، ويَتحنَّن عَلينا، ويُشفِق ويترفَّق بِنا رَبُنا المُحسن الكريم، الواسِع المغفرة، الرحمن الرحيم؛ بإِدخَالنا، طَوعًا، ويُسرا، وتَفضُّلًا، في مُتَّسَعِ كَنَفِ رَحَابة وفَسَاحَة كَوكَبة نَبينا الصادق الأَمِين؛ ويَضُمنا بآله الطيبين الطاهِرين المُطهَّرين؛ ويُتحِفنا برؤية زُمرَة أَصحابه الغُر المَيامِين؛ ويَجمَعنا حَشدًا جامعًا، وزُمرة حَاضرة، وإِيَّاهم فردًا، فردًا، أَعِزةً مُنعَّمين، مُكرَّمين؛ ويَلُمنا - عِصمَةً ونَزاهَةً - على ناعم سُرُرٍ مَوضُونة، مُتقابِلين مُتناظِرين، وكريم شُخوصِهِم، نُشاطرهُم نَظرة النعيم، في أَعَالي مُستقرِّ غُرُفَات غَضَارَة فِردَوسِ جَناتٍ أَلفافٍ، عَرضها السماوات والأَرض؛ إِنَّه البَرٌ السَميع، المُجيب الدعاء… ﴿يا أَيها الناسُ إنَّا خَلقناكُم مِن ذَكَرٍ وأُنثَى وَجَعَلنَاكُم شُعُوبًا وَقَبَائلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللهِ أَتقَاكُم إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِير صدق الله العلي العظيم.