الإنسان كائن عاطفي
لا يمكن التأثير في الناس بمخاطبة عقولهم وحدها عن طريق الفكر والعلم والمنطق وإنما التأثير الكاسح يتحقق بدغدغة عواطفهم وتحويلهم إلى قطيع يردد شعارات جوفاء روجت لها الأغاني والأناشيد والموسيقى المسكرة...
لذلك كانت الموسيقى والأناشيد وما تزال عنصرًا أساسيا في أي تدريب عسكري وقد أدرك ذلك عبدالناصر فاستخدم الأغاني بكثافة وتركيز منذ استيلائه على السلطة بمصر فقد كانت الشعارات الجوفاء يجري ترويجها بالأغاني والأناشيد بشكل كثيفٍ ومركز ومتكرر وغامر فتدغدغ عواطف الجماهير وتصيبهم بنشوة تهيئهم لقبول الاتجاه الذي يجري الترويج له...
لقد كان تأثير أم كلثوم أضعاف تأثير المفكرين والمثقفين والعلماء فقد كان تأثيرها عاما وغامرًا ليس في مصر وحدها وإنما على مستوى العالم العربي بأكمله إلى درجة أن بعض الأفراد خارج مصر كانوا يسافرون من الكويت والبحرين والسعودية وغيرها لحضور حفلات أم كلثوم وكأنهم أمام حدثٍ تاريخي مصيري...
فمنذ القدم أدرك القادة التأثير العميق للأناشيد والأغاني إن مركز المتعة في أدمغة البشر يجعلهم مهيئين للتفاعل مع الموسيقى والتأثر بأي مضمون يراد تأكيده ليصبح إطارا ذهنيا عاما...
أدرك ذلك القادة في كل مكان ومن مختلف العصور وعلى سبيل المثال فإن فنلندا كانت خاضعة للهيمنة السويدية ثم للهيمنة الروسية وبواسطة التجييش العاطفي تحررت يقول المفكر الفنلندي ماكس جاكوبسون: «... السيادة إطار ذهني؛ هوية تتحول إلى وعي بماضٍ مشترك ومصير واحد. وهذا الوعي لا ينشأ إلا بواسطة الموسيقيين والشعراء والفنانين والمؤرخين»
ويقول ستيفن تشان في كتابه «نهاية اليقين»:
«كان دور الشعراء والمؤلفين الموسيقيين في بناء قطعٍ فنية تدعم إطارًا ذهنيا مرئيا ومسموعًا بكل وضوح»
إن الإنسان كائن عاطفي وليس كائنا عقلانيا فقدرات العقل تظل محكومة بالعواطف فحين سقطت تجربة عبدالناصر بكارثة عام 1967 لم يتحول الناصريون إلى العقل والفكر والتقييم الموضوعي وإنما انضموا إلى الإخوان أو حماس أو القاعدة أو داعش إن الإنسان كائن عاطفي وليس كائنا عقلانيا فالعقل تتحكم به العواطف إنها مأساة الإنسان في كل زمان ومكان...
