شذرات من سيرة علوي الخباز - أبي هشام «1-2»
الأستاذ علوي الخباز روح وثابة مخلصة، روح مبادرة متفانية، روح ودودة حانية، نذر عمره في خدمة العمل الإجتماعي، فحاز على احترام وتقدير الجميع، يطيب المقام لسرد شذرات من سيرته العطرة بعين أهل الفن.
أيها الأب الروحي لجماعةالفن التشكيلي بالقطيف، لقد رأيناك بقلوبنا ولمسنا تضحياتك بعيوننا، تحدث الصغير والكبير والمبتدئ والمبتدئة والفنان والفنانة والناشئ والناشئة وكل الواعدين والواعدات تبث فيهم الحماس فيهم تلو الحماس، تشعلهم نشاطا، تشجعهم على كل عمل فني ولو كان بسيطا، وتعتز بكل منجز وإن بدأ متواضعا، لأن روحك أبوية حانية لا ترى الا جميلا.
عشقك لخدمة الناس منذ نعومة أظفارك، حينما بلغت سن العاشرة درّبك والدك الحاج باقر على فعل الخير من خلال فضاء دكانه الملاصق لجدران الزاوية الجنوبية الغربية لمنازل القلعة بالقرب من مسجد الراجحية، حيث مأوى شخصيات البلد وعلية القوم، تعلمت منطقهم وسررت بأحاديثهم وسارعت لخدمتهم، ومن نباهتك وحسن تدبيرك أسندوا اليك كتابة الايصالات للمتبرعين لدعم صندوق البر الخيري المؤسس من قبل الوجهاء وتجار القطيف.
تفتق ذهنك باريحية نفس وسمع وطاعة، حتى غدوت محل اهتمام العارفين والأعيان من أصدقاء والدك، وأبرزهم الحاج سيد حسين سيد مجيد العوامي الذي استشعر فطنتك وحثك على التفاني في خدمة الناس، ثناء موزع من قبل الرائعين، وكلام طيب بمثابة وقود محفز، استحسانهم هدايا معنوية. التشجيع والتوجيه قادك للعمل الإجتماعي باكرا قبل أن يقوى عودك، وتشربته يقينا راسخا وايمانا ثابتا، من خلال مجلسكم العامر بذكر الله وآل البيت، شنفت آذانك عذب الآيات الدافعة للعمل «وتعاونوا على البر»، «وقل أعملوا فسيرى الله عملكم..» هاتان الآيتان الهمتاك إيمانًا راسخا وقناعة تامة لحراك فعّال نحو العمل التطوعي ببذل دون تراخ وعزم لا يلين وسعي نحو مجتمع افضل.
حينما تخرجت من الصف السادس، أخذك والدك للعراق لتقي العلاج بسبب متاعب صحية كنت تعاني منها، رحلة دامت 18 شهرا، أنضجتك معرفيا وزودت حصيلتك الثقافية، وعرفتك على معالم أرض السواد، مقبلا على مجالس رجال الدين والمشايخ ومختلف الشرائح، أجواء تركت أثرا كبيرا في نمو شخصيتك، وحينما عدت طالبا في المرحلة المتوسطة، انعكست أجواء الخارج على حراكك المدرسي المتنوع، انخرطت في كل الأنشطة من معسكرات كشفية ورحلات خلوية وكتابة صحف حائطية ومشاركة في الاذاعة المدرسية، وكذا الالتحاق بشباب المركز التابع لمركز الخدمة الاجتماعية بالقطيف وهو ينافس المدرسة في تلك الأنشطة اللاصفية.
وجذبتك عوالم الأندية ومنافساتها الرياضية المفتوحة. نورتك الأيام ببصيرة نفاذة، وألهمك الإخلاص عشقا بصحبة الكتب والناس، تقرؤهم صفحات وتتأمل ما بين السطور، حدس أنه أفضى بك باكرا في عالم الأندية سعيا لخدمة جيل الشباب، كنت في البدء لاعبا لكرة الطائرة ثم مشرفا ثقافيا لنادي البدر نهاية الستينات الميلادية وأنت لم تزل طالبا في معهد اعداد المعلمين، ذوقك الرفيع مكنك من توفير مكتبة عامرة بالجلاّس، متبوعة بحجرة خاصة لهواة الفن، فضاء مبكر سبق الأندية الأخرى في المنطقة، لوحات بيئية ومناظر طبيعية أنجزت وعلقت في أول معرض جماعي في القطيف «1969» م.
بعد تخرجك سنة 70 أصبحت رئيسا لنادي البدر، وكتبت صحيفة اليوم مقابلة معك تحت عنوان أصغر رئيس ناد في المنطقة الشرقية وأنت ابن 25 ربيعا، ثم عضوا فاعلا في لجنة التنمية الإجتماعية، ومتعاونا لدى مركز الخدمة الاجتماعية، ضجيج طلاب المدرسة في مدينة رحيمة، وانفعالات الشباب في نادي البدر بالقطيف، تعاملت معهما بروية وصبر، زادتك الأيام خبرة وبعد نظر، مؤمنا بأن «قيمة الإنسان ما يعمل»، حين أوشكت على التقاعد ظنناك ستستريح من عناء العمل الوظيفي وكذا التطوعي، لكنك تقلدت الثاني كوسام شرف على صدرك، وواصلت المسيرة التي بدأتها متطوعا صبيا ويافعا وشابا وكهلا، وإلى الآن لم تزل على العهد تلم أسرة أهل الفن على موائد الخير، تصاحبهم وتدعوهم في كل عام في منزلك لتناقش معهم قضاياهم وتبحث معهم شجوونهم وتطلعاتهم المستقبيلة.
يا سيد الوفاء روحك الأبوية الحانية تثلج الصدر، نحن نستظل من تفانيك وطيبتك الوارفة، أن تجمعنا في رحاب قلبك قبل منزلك هو شرفا لنا، هذا هو ديدنك، وأن تجود علينا بلمة أخوية ودية كل عام، هذا كرم منك، ونعم الفيض سخائك.
أيها الأب الروحي هناك من يطفىء مصابيح الدرب سهوا أو عمدا، أنت علمتنا أن نحافظ على الضوء وأن كان خافتا، بل حفزتنا أن نشعل مصابيح جديدة، وكم نبهتنا أن لا نلعن الظرف ولا نندب الحظ ونتفائل مهما حلكت الأيام، هناك من يتراجع إذا رأى الأبواب موصدة، أنت علمتنا أن لا نيأس من طرق جميع الأبواب، ولكم وجهتنا للبحث عن مفاتيح لحلول مستعصية، بخبرتك وتجربتك الادارية الثرية، الهمتنا حسن تدبير، فإنفرجت بعون من الله وعونك عدة أمور، ظنناها عسيرة المنال، فاذا هي طوع لنا.
سيدنا هناك من يلوذ بالصمت تقاعسا، لأي سبب من الأسباب، أنت ببصيرتك سعيت بكل ما أوتيت من قوة لشحذ الهمم، هناك من حاول شق عصى «الجماعة» بالهمز واللمز، والحط من مكانتها وتاريخها، أنت بحكمتك إحتويت أكثر من موقف، وذلّلت كل صعب بتخطي الحواجز الملموسة والوهمية، معك تجاوزنا كل متعثر، وكم أوصيتنا بالنظر دائما للأمام وعدم الالتفات للوراء.
يا أبا هشام أنت جمعتنا منذ أمد على المحبة والألفة والتعاون والخير، فأثمر زرعك لإيمانك الراسخ بأن «يد الله مع الجماعة».
ياسيدنا لا يحلو لمرتادي نادي الفنون الا برؤيتك، فأنت المحرك الخفي لمسيرة الجماعات وبالأخص جماعة الفن التشكيلي، لا تألوا جهدا في دفع العجلة قدما بصورة فعلية وعملية.
ألف تحية على جبينك الوضاء أيها السيد «وخادم القوم سيدهم». بعمرك الثمانيني لم تزل ممتلئا حماسة تفوق حماسة الشباب، منك نتعلم يا سيدنا قيمة العمل بإخلاص وهمة عالية.