فرصة ضيقة للتحكم بالذات
لا يملك أي فرد سوى لحظة قصيرة جدا للتحكم بتفكيره؛ فالأصل أن استجابات كل فرد على ما يَسمع، وما يرى، وما يَحدث؛ هي استجابات تلقائية تتحكم بها أنماطه الذهنية الثابتة..
إذا لم ينتبه الفرد بأن استجاباته تلقائية فيتعمَّد أن يوقف انسياب استجاباته، ويُخضع ردود فعله للمساءلة والتمحيص والتحقق؛ فإن قدراته الذهنية لا تنمو بل يبقى مأسورًا بالأسبق إلى عقله..
إن إدراك هذه الحقيقة هو لب فلسفة سقراط، فقد أدرك بتفكيره الخارق بأن البشر خاضعون للتطبع وبأن على كل فرد أن يفيق وأن يصنع ذاته بنفسه وهذا يستوجب ترصُّد الوعي والتحكم به بدلا من تركه ينساب تلقائيا..
وكانت إفاقة ديكارت من غيبوبة التطبع هي التي دفعته إلى أن يبتكر منهجًا لفحص محتويات العقل والتحكم بالتفكير..
ثم جاء هوسرل فاقترح تقنية للتحكم بالتفكير واقترح أن لا يترك الإنسان تفكيره ينساب تلقائيا وإنما يوقف هذا الانسياب بأن يضع العالم بين قوسين بمعنى أن يعلق التقييم لأي شيء حتى يتحقق ويتروى ويستقصي حول الأحكام المسبقة وحول الموضوع محل النظر وبذلك يمكن التقليل من سوءات الانسياب التلقائي للأحكام والآراء والمواقف..
وهذه اليقظة وهذا الترصد للذات وديمومة الوعي بما تحتويه من قبل والتحكم بما تتلقاه والتحقق مما يصدر عن الذات هو المعنى الذي أكدته الفلسفة الوجودية..
ولكن هذه المعضلة البشرية بقي تناولها محصورًا في النطاق الفلسفي حتى جاء الدكتور ستيفن كوفي وكان إدراكه لهذه المعضلة وكيفية مواجهتها نقطة تحول في حياته ثم أبرزها للتداول العام حيث كانت كتبه في مقدمة الكتب التي شاعت عن تنمية الذات.
يقول ستيفن كوفي:
«. هناك دائما مساحة بين المثير والاستجابة. تكمن خلال هذه المساحة؛ حريتنا وقدرتنا على اختيار استجاباتنا. ويكمن ارتقاؤنا وسعادتنا في تلك الاستجابة.»
عقل الإنسان يعتمد على دماغه فالدماغ هو الجهاز العقلي وقد بات معلوما أن الدماغ يتحرك دومًا فهو يعمل كما تعمل الكبد أو القلب إن الأصل فيه أنه لا يخضع لإرادة الشخص وإنما بالانتباه والمران يستطيع الفرد أن يتحكم بما يتلقاه الدماغ وما يفيض منه فلا يتركه ينساب تلقائيا وإنما يُخضع آراءه وأحكامه وتقييماته للفحص والتحقق قبل قبولها والتفوه بها.