صدور كتاب «الدرر السنية في السيرة الحسينية» للسيد محمد حسن الشخص، بتحقيق الشيخ علي النجيدي
صدر حديثا كتاب «الدرر السنية في السيرة الحسينية» لمؤلفه الخطيب الشهير السيد محمد حسن الشخص، بتحقيق سماحة الشيخ علي النجيدي في طبعته الأولى «1443 هـ 2022م»
والكتاب يقع في «394» صفحة من الحجم الوزيري، توزيع «دار المحجة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع ببيروت»، ونشر «جواثا للنشر ببيروت» أيضا.
وعصر يوم الخميس 8 ربيع الأول 1443 هـ 14 أكتوبر 2021م اتصل بي أخي وصاحبي «السيد علي باقر الموسى» ليزفّ إليّ هذه البشرى السارة، ويخبرني عن وصول بعض النسخ إلى الأحساء، ويدعوني إلى زيارته ليتفضل عليّ بإهدائي نسخة من الكتاب، لأكون أول شخص يتمّ إهداء هذا الكتاب إليه بحسب إفادة السيد العلي الباقر.
وإني لأشكر للسيد علي باقر هذا الإهداء الجميل، كما أبارك لسماحة الشيخ علي النجيدي هذا الإصدار الرائع ووصول بعض النسخ منه إلى الأحساء على أمل وصول بقية النسخ إن شاء الله تعالى.
ومن مواقف الشيخ علي الجميلة معي أثناء تأليفي لكتاب «السيد محمد حسن الشخص تاريخ مشرق وحياة حافلة» أنه سلمني نسخة بالكمبيوتر من هذا الكتاب بتحقيقه هذا، وفي المحور الأول المعنون «السيد الشخص والحراك العلمي الثقافي» من الفصل الثالث المعنون «السيد الشخص بين الثقافة والأدب» وتحديدا في «ص168-174» من كتابي المذكور، وأثناء حديثي عن مؤلفات السيد الشخص التي يتم العمل على تحقيقها تمهيدا لطبعها، قدمت عرضا لهذا الكتاب وتحقيق الشيخ علي له لا بأس أن أنشره هنا بمناسبة صدور الكتاب، فقد قلت نصا: «وهذا الكتاب إن لم يكن أول مؤلفات السيد الشخص، فلا شك أنه من أوائلها، إذ أنه فرغ من تأليفه يوم الجمعة منتصف شهر ذي الحجة سنة 1353 هـ، وهو ابن سبعة عشرة سنة كما سبقت الإشارة.
وقد أشار السيد الشخص إلى تاريخ فراغه منه بقوله في الخاتمة الموجودة على ظهر الكتاب من الخارج: «تمّ الكتاب بعون الله الملك الوهاب، وأرجو بذلك من الله أعظم الثواب، والعفو عن جرائمي، والتفضّل عليَّ في يوم الحساب، وجزيل الأجر في يوم القيامة، وفصل الخطاب، وأتمنى من إخواني المؤمنين الدعاء، وكفّ الملامة والعتاب، فإن الإنسان لا يخلو عن الخطأ والنسيان.
حرره الراجي عفو ربه محمد حسن النجفي الموسوي، وقد فرغ من تسويد هذه النسخة الشريفة في يوم الجمعة الخامس عشر من ذي الحجة من شهور سنة 1353، ثلاث وخمسين بعد الألف والثلاثمائة من الهجرة النبوية على مهاجرها آلاف التحية والسلام، عن يد أقل الخطباء النجفي الموسوي» [1] .
والاسم الأصل للكتاب، والذي وضعه السيد الشخص في واجهته هو «الدرر السنية في السيرة الحسينية» وبهذا الاسم أيضا ذكرته جميع المصادر التي ترجمت السيد الشخص أثناء ذكرها لمؤلفاته، مثل معجم الأدباء من العصر الجاهلي حتى سنة 2002م، وماضي القارة وحاضرها، وأعلام الخطابة الحسينية في الأحساء، ومعجم مؤرخي الشيعة، وغيرها.
لكن يظهر أنه عدل عن هذا الاسم، واستبدله باسم «المقتل» إذ كتب في ختام الجزء الأول: «تم الجزء الأول من كتاب المقتل، وسيتلوه الجزء الثاني» [2] .
وفي ختام تحقيقه للكتاب أشار الأخ العزيز سماحة الشيخ علي النجيدي إلى أنه يرجح «العنوان المكتوب على ظهر الكتاب ”الدرر السنية في السيرة الحسينية“ باعتباره أكثر جاذبية من عنوان المقتل» [3] .
ويمكننا أن نضيف إلى ما تفضل به الشيخ النجيدي من أسباب لهذا الترجيح أن «الدرر السنية» هو العنوان الموضوع في واجهة الكتاب على صفحة الغلاف، كما أن الكتاب معروف بهذا الاسم، وبه مذكور في سائر كتب السير والتراجم والمعاجم والفهارس، فاستبداله بعنوان «المقتل» ليس صحيحا، لمخالفة ذلك للعنوان الأصل، كما أن هذا التغيير قد يوهم بأنه كتاب آخر غير «الدرر السنية»
والمؤلف لم يكتب مقدمة لكتابه ليوضّح فيها طبيعة الكتاب، ومنهجه في التأليف، ولكن من خلال محتوى الكتاب، وتنوع مواضيعه، ولغته المباشرة، وأسلوبه السردي العام، وكذا بعض ما أورده فيه من قصص وقصائد فصحى وعامية، يجعلنا نُرجّح أن الكتاب - في الحقيقة - ليس «سيرة» ولا هو «مقتل» بقدر ما هو «مجالس» ربما السيد الشخص رحمه الله كان يكتبها تحضيرا لمآتمه الحسينية، ثم رأى أن يجمعها ويخرجها في كتاب.
ولعل الدكتور القزويني كان ملتفتا لهذه المسألة حين قال أثناء ذكره بعض مؤلفاته: «كما أن له بعض المجاميع المتعلقة بفن الخطابة على غرار الكشكول» [4] .
فربما كان يعني بهذه «المجاميع» هذا الكتاب، وإن صدق ظننا هذا، فنحن نرى أنه أصاب في وصفه «بالمجاميع» لكنه أخطأ في اعتباره متعلقا «بفن الخطابة» فهو ليس متعلقا بهذا الفن، وإنما هو مجاميع ومجالس حسينية.
وكما أشرنا قبل قليل: فقد قام سماحة الشيخ علي بن حسين النجيدي بتحقيق هذا الكتاب، وبحسب إفادته وكذا إفادة أبي ياسر الشخص فإن الكتاب الآن بيد أحد المصممين ليعمل على صفّه وإخراجه وتصميم غلافه استعدادا لطبعه، وقريبا سيقوم الشيخ النجيدي بتحقيق كتاب نفائس الأخبار إن شاء الله.
وفي مقدمة التحقيق تحدث الشيخ قليلا عن واقعة كربلاء، فأكد أنها «مليئة بالأحداث المهمة والعظيمة» موضحا أنه لا يبالغ إذا قال: إن هذه المأساة «تتجدد أحداثها، وتتحرك مع الزمان وعبر العصور، وتُقرأ فصولها وأحداثها بشكل آخر، وسيكتشف القارئ لهذه الواقعة شيئاً جديداً»
ليشير بعد ذلك إلى ما منيت به هذه الواقعة العظيمة من تشويه وتحريف، مما جعل بعض الكتّاب والباحثين يجتهدون في دراستها والتحقيق في نصوصها، إذ لابد «من تمحيص الروايات بالمقارنة والموازنة بينها، وعرضها على السياقات الاجتماعيّة والسياسيّة والثقافيّة العامّة، وملاحظة مدى اتّساقها معها»
وتمهيدا للإشارة إلى أن هذا الكتاب - في مادته وأسلوبه - يمثل العصر الذي أُلّف فيه، يوضح الشيخ النجيدي «أن الزمن والوضع الاجتماعي الذي يعيشه الكاتب له آثاره الكبيرة في فهم الأحداث، وإعطائها أبعاداً أكثر عمقاً وفهماً من تلك القراءات التي تجتر التاريخ بنظرة جامدة أو متحاملة، فالكتابات يحكمها الزمن والموضوعية والوعي للأحداث التي جرت»
لينطلق من هذا التمهيد والتوضيح إلى الحديث عن هذا الكتاب الذي قام بتحقيقه، فقال في وصفه وتعريفه: «... وقد قام بعض أرباب المنبر الحسيني بكتابة مجالسه التي يلقيها على المنبر، أو يكتب المقتل الحسيني من خلال الروايات التي ينقلها من الكتب التي تعتني بواقعة الطف، كما قام به السيد محمد حسن الشخص رحمه الله تعالى في كتابه هذا: الدرر السنية في السيرة الحسينية.
والكتاب يمثل مرحلة زمنية معينة في ذكره لبعض الحوادث التي قد يرى القارئ العزيز بعض التحفظ عليها، مع أننا أوردنا بعض الملاحظات في التعليقات في ثنايا الكتاب، والكتاب يمثل مرحلة زمنية في أسلوبه وطريقته، والكتاب هو عبارة عن مقتل الإمام الحسين ، قد اعتمد فيه الكاتب على البحار والمقاتل الأخرى التي ذكرت المقتل كسائر مصنفي المقاتل، ومؤرخي واقعة عاشوراء، قد جمعوا كل الأخبار والروايات التي تتحدث عن واقعة عاشوراء واستشهاد الإمام الحسين مع أنصاره في مكان واحد وكتاب واحد»
كما سجل ملحوظاته على الكتاب، وبيّن عمله في تحقيقه، بقوله:
1 - الكتاب يتكون من جزئين، الجزء الأول يتشكل من سبعة فصول، والجزء الثاني يتشكل من فصلين وخاتمة للكتاب، وقد كتب السيد المؤلف رضوان الله عليه في نهاية الجزء الأول هذه العبارة: «قد تمّ الجزء الأول من كتاب المقتل وسيتلوه الجزء الثاني»
2 - الكتاب يخلو من المقدمة، التي - عادة - يبيّن فيها المؤلف عمله في الكتاب، وتوزيعه على فصول أو أبواب، فلا توجد للكتاب مقدمة.
3 - وكما قلنا: إن الكتاب يتكون من سبعة فصول في جزئه الأول، وقد وجدنا عنوانين من هذه الفصول، وهما «الفصل الخامس والفصل السابع» فقط، وباقي الفصول ساقطة من الكتاب فعملنا على وضع بقية الفصول، وجعلناها بين معكوفتين حتى نلفت القارئ الكريم لذلك، وأما الجزء الثاني فيتكون من فصلين، وقد وضعناهما بين معكوفتين.
4 - قد نقلنا عبارة المؤلف رحمه الله في نهاية الجزء الأول، حيث قال: «قد تم الجزء الأول من كتاب المقتل...» ونحن رجحنا العنوان المكتوب على ظهر الصفحة الأولى من الكتاب، وهو «الدرر السنية في السيرة الحسينية» باعتباره أكثر جاذبية من عنوان المقتل.
5 - المؤلف وضع فهرساً للعناوين التي جاءت في الكتاب، ونحن أيضاً أضفنا إليه بعض العناوين، وتميزاً لها وضعناها بين معكوفتين.
6 - عملنا على المقارنة بين ما ينقله من نصوص، فأحياناً نثبت النص كما أورده ونتمّ ما نقص من النص، وأحياناً نورد النص كما نقله.
7 - بعض أبيات الشعر لم نستطع قراءته فوضعنا نقاطا، أو لم نعثر عليه في كتاب.
8 - ترجمنا لبعض الأعلام الذين وردت أسماؤهم في الكتاب، أو أورد لهم شعراً فنسبناه له.
9 - حذفنا بعض القصص التي قد يكون ذكرها لا يناسب عصرنا الحاضر، أو لم ترد في كتاب معروف، أو وضعناها في الهامش، إما لعدم ورودها في كتب الأخبار المعتمدة، أو بيّنا ضعفها في الهامش.
ثم ختم تقديمه بترجمة مختصرة لمؤلف الكتاب السيد محمد حسن الشخص رحمه الله تعالى.
وقد كتب الخطيب الكبير، سماحة الشيخ حبيب الهديبي تقديما رائعا للكتاب، افتتحه بالحديث عن أهمية الوسائل الإعلامية لكل ثورة تحررية، أو نهضة إصلاحية، مؤكدا أن ثورة الإمام الحسين من أهم وأعظم الثورات الإصلاحية في العالم، وأنه لابد لها من وسيلة إعلامية توصل صوتها الحسيني إلى العالم، موضحا أن المنبر الحسيني يُعد «من أعظم الوسائل الإعلامية الحسينية التي خدمت النهضة المقدسة، وأوصلت صوتها للعالم، فكان المنبر هو الطريق والسبب في خلود هذه النهضة في فكر الأمة ووجدانها»
بعدها تحدث عن بروز خطباء معينين في كل مرحلة تاريخية معينة، يتميزون على غيرهم ببعض السمات والصفات التي تجعلهم في الطليعة، وأنه في العقود الأخيرة من القرن الماضي تألق عدد من الخطباء في العالم الإسلامي، كان السيد محمد حسن الشخص في مقدمتهم ومن أبرزهم، كما ذكر بعض أساتذته في الخطابة، وأشار إلى بعض سماته الخطابية، ليعرج بعدها إلى الحديث عن معرفته القديمة به، كاشفا عن أنه قرأ له مقدم في عشرة محرم لعام 1385 هـ أو 1386 هـ، وأن السيد اقترح عليه حينها أن يرافقه للقراءة معه في عابدان لشهر صفر من تلك السنة، وأنه تلقى الاقتراح بالرضا والقبول، ورتب أموره، وسافر إلى النجف، ولكن لم تتم القراءة لأسباب يجهلها، وكانت هذه السفرة فاتحة خير عليه، إذ حقق من خلالها أمنيته الغالية بالالتحاق بالدراسة الحوزوية هناك، وكان السيد الشخص هو الذي عمل على استخراج الإقامة وتوفير السكن له.
ثم ذكر بعض مؤلفات السيد الشخص، ولكون سماحته كتب هذا التقديم لكتاب «الدرر السنية في السيرة الحسينية» بتحقيق سماحة الشيخ النجيدي، فقد خصّه من بين تلك المؤلفات بالحديث والتعريف، فقال نصا: «وهذا المؤلف يمثل طرحًا روائيا وتاريخيا لمقتل سيد الشهداء وأبي الأحرار الإمام الحسين .
وهذا المؤلف - وإن كان بأسلوب تقليدي قديم - إلا أنه يتميز بأن المؤلف رحمه الله لم يكتف بذكر الرواية والنص التاريخي، بل له وقفات يعلق فيها - أحيانا - على ما ذُكر من رواية، أو موقف من أحداث الواقعة، وكذلك ذيّل كل رواية أو نقطة من تلك الأحداث بمقطوعة شعرية فصيحة أو شعبية، مما يسهل على الخطيب الحسيني تناول ذلك من أجل تحريك العواطف، واستدرار الدموع من قبل جمهور المستمعين»
ثم ختم بإشارة سريعة خاطفة إلى قيام الشيخ علي النجيدي بتحقيق هذا الكتاب، فقال: «وقد تصدّى أخونا العزيز الشيخ علي حسين النجيدي لتحقيق المخطوطة لهذا المؤلَّف، وتخريج المصادر، ليخرج بالحلّة المناسبة، ويكون في متناول أيدي القراء والمنبريين.
نسأل الله تعالى أن يرحم المؤلف، وأن يجعل ذلك في صحائف أعماله، وأن يكون مصداقًا للعلم الذي يُنتفع ”به“ وأن يثيب المحقق بأحسن الثواب، إنه هو وليّ التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين»
والحق أن سماحة الشيخ علي النجيدي بذل جهدا مشكورا في تحقيقه هذا، كما رأينا فيما ذكره من عمله في التحقيق، وأيضا قد يكشف لنا ذلك أنه استند في عمله التحقيقي إلى «100» مصدر ومرجع ذكرها في خاتمة الكتاب.
ولأن الكتاب يتكون من عدة فصول، فقد تمنيت لو أن الشيخ النجيدي ذكر عناوين تلك الفصول في الفهرسة بدل أن يسرد العناوين دون ذكر فصولها، كما تمنيت أيضا لو أنه ذكر أماكن وتواريخ طبع مصادره التي اعتمدها، بدل أن يكتفي بذكر المصدر مجردا عن ذكر مكان الطبع وتاريخه، كذلك بعض المصادر ذكرها دون ذكر مؤلفيها، ولو أنه ذكرهم لكان أفضل بكثير.
وقد فرغ الشيخ النجيدي من تحقيق هذا الكتاب بتاريخ 10 ربيع الآخر سنة 1441 هـ، كما فرغ سماحة الشيخ حبيب الهديبي من كتابة تقديمه بتاريخ 8 ربيع الأول من السنة ذاتها، أي قبل أن يفرغ الشيخ النجيدي من تحقيقه بقرابة الشهر، وما ذاك إلا للتنسيق المسبق على أن يقوم أحدهما بالتحقيق ويتكفل الآخر بالتقديم، وإن كنت تمنيت أيضا لو أن التقديم كان بعد الفراغ من التحقيق والاطلاع عليه، نسأل من الله أن يجزيهما على هذا العمل الجليل خير جزاء المحسنين.