قالوا في الأصدقاء.. فهل للصَّديقِ والصَّداقة حدّ؟
أظنّ أن أغلبنا يحتفظ بروائعِ قصاصاتِ الصَّداقة في ذاكرته وفي حاضره. وأيضًا يتذكر مائةَ مرَّة ومرة غدرَ من ظنَّهم أصدقاء، فإذا هم آلاتٌ شيطانيّة تدمر وتخرب وكأن الشاعر عناهم:
احذر عدوّك مرةً... واحذر صديقك ألفَ مرّة
فلربمّا انقلبَ الصديقُ... فكان أعلمَ بالمضرّة
ذلك الرّجل - أو المرأة - الذين تعودنا أن نناديهم - أصدقاء - هل هم مدعوون في كلِّ ناحية، وفي كلِّ واردةٍ وشاردة في حياتنا؟ أم هم حين يترك البابُ دون حارس، يفسدون حياتنا، شأنهم شأن الأعداء، بل أكثر ضررًا لأنهم يعرفون ما لا يعرفه الأعداء عن حياتنا؟
من أجملِ ما قيلَ في حدود الصَّداقة كلام الإمام الصَّادق عليه السَّلام: الصَّداقة محدودة، ومن لم تكن فيه تلك الحدود فلا تنسبه إلى كمالِ الصَّداقة ومن لم يكن فيه شيء من تلك الحدود، فلا تنسبه إلى شيءٍ من الصَّداقة أولها أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة، والثانية أن يرى زينكَ زينه، وشينكَ شينه، والثَّالثة لا يغيره عليك مالٌ ولا ولاية، والرَّابعة أن لا يمنعكَ شيئًا مما تصل إليه مقدرته، والخامسة أن لا يسلمك عند النكبات. ثم أيضًا قوله: لا تثقنّ بأخيك كل الثقة، فإن صرعة الاسترسال لا تستقال.
أعتقد أن - جزءًا - من هذه النَّصيحة في لغةِ أهل هذا الزَّمان يعني: لا تثقنّ بأخيكَ كلّ الثقة، ولا تُرخي له كلَّ أعنَّةِ المودة، ولا تفشي له كلَّ أسرارك. فهذا الصَّديق إذا انقلبَ عدوا فهو قادر على إلحاقِ الأذى الكبير بك. هو أيضًا - الإمامُ الصادق - يوصي: أحبب حبيبكَ هونًا ما عسى أن يكونَ بغيضَكَ يومًا ما.
الآن، نتعرف على شخصٍ ما ساعةً واحدة وبعدها نكون معه مثل ”المِشخل المخروم“. ندعوه - هو أو هي - إلى كلِّ تفاصيلِ وزوايا حياتنا، فعلينا أن نفرق بين صداقةِ من يستحق ذلك الوسام وبين صداقة من لا يستحق ذلك الوسام والشَّرف.
الأصدقاء مثل البطيخة، جربها قبل أن تشتريها، فقد يكون ظاهرها جميل وباطنها دون حلاوة. أخلاق النَّاس أيضًا، وصداقتهم لا تُعرف على حقيقتها دون فحصٍ وتجربة، فلا تستعجل الصَّداقات، ولا تتركها سائبةً دون حدود!