ذكريات سامراء.. زيارة الإمام العسكريّ قصيرةٌ مثل عمره!
تمر ذكرى وفاةُ الإمامِ العسكريّ في اليومِ الثَّامن من شهرِ ربيعِ الأول، وإِذْ شاءت الأقدارُ أن يكون عمرَا الإمامين الحسن العسكريّ ووالده عليّ الهادي عليهما السَّلام قصيرين جدا، حيث ارتحل العسكريّ وهو في العشريناتِ من عمره ووالده في بدايةِ الأربعينات، شاءت أيضًا أن تكون زيارة محبيّهما ومرِيديهما لهما في سامراء أن تكونَ قصيرةً جدًّا!
منذ أن زرتُ سامراء طفلًا في التاسعة من عمري في الستِّينات من القرنِ الماضي، وحتى آخر زيارة - قبل سنوات - كانت دائمًا خطة السَّير مستعجلة والبقاء في سامراء قصيرٌ جدا. كنا نقصد مَعلَم وبوصلةَ سامراء الوحيد الذي لا تُقصد إلّا لزيارته، وهو مقام الإمامين علي الهادي والحسن العسكريّ عليهما السّلام.
في الزيارةِ الأولى، أقمنا في أحدِ النُزْل القريبة ليلةً أو ليلتين. مشينا في سكّة اصطفت الباعة وأماكن السكن المتواضعة على جانبيها مسافة حتى انتهى بنا الطريقُ نحو المقام، الذي راعنا جمالُ قبته الكبيرة المزينة بالذهب ومنَائره العالية وزخارفه البديعة!
ثم الزيارة الأخيرة - بعد 2006م - كانت أقصرَ بكثير، وعلى عجل لدواعي الأمن. توجهنا في أولى ساعاتِ النَّهار وعدنا قبل مغيب الشمس. توقفنا على بعد مئات الأمتار من مرقد الإمامين، وكأنّ المشاهد لم تتغير، هي تقريبًا كما رأيناها منذ الستِّينات. ماعدا أن القبة الذهبية لم تكن تلمع، تهدمت وكان لونها اسمنتيًا، وشواهد أعمالِ الإصلاح والترميم تغطي أجزاءً كبيرةً في الدَّاخل!
كانت زيارةً قصيرةً غمَرنا فيها الإمامان الهادي والعسكريّ بكرم ضيافتهما، حيث الجو صافيا، والحرارة معتدلة وتناولنا الغداء من مضيفهمَا عليهما السَّلام في باحةِ الحرم.
قُبض العسكري عليه السّلام يوم الجمعة لثمانِ ليالٍ خلون من شهرِ ربيع الأول سنة ستين ومائتين وهو ابن ثمانٍ وعشرين سنة، ودفن في داره في البيتِ الذي دفن فيه أبوه عليهما السَّلام بسر من رأى. والآن قل لي، كم من شخصٍ في العالم ماتَ في العشرين أو الأربعين من عمره، ولا يزال أثره موجود؟ أجزم أنهم قلّة، وعلى رأس من يُذكر الأمامين العسكريين. إذ لو كانت الأعمال الكبرى تقاس بطولِ العمر، لكان حظ - كل - من عاش أطول منهما عمرًا أعظمَ وأجل!
قصصٌ وتاريخ وأحاديث رائعة ترويها الكتب عن هذين الشخصيتين العظيمتين - بكل المقاييس - ربما أغلبنا يقرأ سيرَ الرّجالِ العظماء، دون أن يكون ملتفتًا لهذه السِّيرة العطرة والتاريخ الأشمّ!