وصيةُ الضوءِ الحكيم
وصيةُ الضوءِ الحكيم
في ذكرى المرجع الديني الكبير آية الله السيد محمد سعيد الحكيم - رضوان الله عليه -
أَنَخْتَ - غداةَ الخافقينِ توقَّفَا -
ثمانينَ من عُمْرِ الضياءِ ونيِّفَا
وفي كلِّ شطرٍ من حياتِكَ قصةٌ
تدوّنهُا التقوى ، ويسردُها الوَفَا
ألا أيُّها الحادي الذي اختطَّ سيرةً
وزوَّدَها بالمكرماتِ وأردفا
تراوحتَ بالنبضِ الولائيِّ ساعيًا
فمروتُكَ المعنى ، وفكرتُكَ الصَّفَا
لكَ الآنَ أن تبقى دليلا على الهدى
وطيفًا بآفاقِ الخلودِ مُرَفْرِفَا
نشأتَ بأحضانِ السنابلِ ناميًا
فلاغروَ أن يبقى سناكَ مُضَعَّفَا
ودارُكَ كم كانتْ فراتِيَّةَ النَّدَى
وكم كنتَ بالجُودِ الرَّحِيبِ مُضَيِّفَا
من (النَّجَفِ) امتدَّتْ ينابيعُكَ التي
تنعَّمَ فيها العصرُ حينَ تَرَشَّفَا
بأعماقِكَ انسابتْ تراتيلُ عابدٍ ؛
لما كنتَ تحوي بين جنبيكَ مصحفا
على خطِّ أهلِ البيتِ أسرجتَ صهوةً
وسرتَ بها ، مهما الطريقُ تعجرفا
ولاقيتَ مالاقيتَ من عَنَتِ السُّرَى
إذا الألمُ الطاغي تمادى وأسرفا
ومرَّتْ عليكَ الحادثاتُ كأنما
حفظتَ جراحاتِ الليالي مُؤَرْشِفَا
متى أطبقَ السجنُ القديمُ غياهبًا
أضأتَ به الشمعَ / اليراعَ مثقفا
وحيدًا مع النجوى غريبًا مع المُنَى
تؤنسنُ في تلك الوريقاتِ أحرفا
لقلبِكَ في أسمى تجلِّيهِ نِيَّةٌ
تصفُّ مع الأحرارِ رأيًا وموقفا
وتبقى بصبرِ القابضينَ على اللظى
وإن جارَ طاغوتُ الهلاكِ وأتلفا
وأيّامَ لم يلقَ العراقُ زمانَهُ
أزحتَ على عينيهِ فجرًا مزيَّفا
فلم تنتسبْ إلا إلى الحقِّ مُوقِنًا
ولم تلتحفْ إلا من النورِ معطفا
وأيّامَ لم يلقَ العراقُ مكانَهُ
فتحتَ له قلبًا من الحبِّ مُرْهَفَا
فماهُوَ إلا أنتَ.. في كلِّ صورةٍ
تلاشى بها حدُّ الفروقاتِ واختفى
تجلَّى بعينيكَ (الفراتانِ) .. حينما
يجودانِ بالنُّعْمَى إذا الدهرُ أجحفا
وأنفاسُكَ امتدَّتْ نخيلًا إلى العُلا
فقلتَ : سلامَ الفرقدينِ أنِ اقْطفا
عمامتُكَ النوراءُ نسلُ كواكبٍ
جرى ضوؤها كالسلبيلِ مُطَوِّفَا
وما الدينُ في عينيكَ إلا رسالةٌ
وليسَ حريقا باللهيبِ تطرَّفَا
أيا سادنَ الفقهِ الذي ماتقاعَسَتّ
بصيرتُه الحُسْنَى ولا جفنُهُ غفى
تجيءُ إلى الدرسِ انطلاقًا وهِمَّةً
كما عاشق للأمنياتِ تلهَّفَا
أدرْ أيها الضوءُ (الحكيمُ) وصيةً
فكمْ طارَ من سربٍ على هديِكَ اقتفى
وأحْكِمْ موازينَ الحياةِ مُجَدَّدًا
فكم عاشَ فينا الأُلْعُبَانُ مُطَفِّفَا !!
بفقدِ مُحيّاكَ افتقدْنا قريحةً
فأصبحَ ينبوعُ الشعورِ مُجَفَّفَا
ويادمعةً شهرُ المحرَّمِ بثَّهَا
فما أعظمَ الحزنَ النبيلَ وأشرفا !
و(خَتْمُـ)كَ عنوانُ الأمانةِ قدْ مضى
وحُقَّ لحبرٍ أن يفيضَ ويذرفا
كَمِ اشتاقتِ الجنَّاتُ مَرْآكَ زاهيًا
فوافاكَ موتٌ ملءَ أشواقِهِ هَفَا