معلمو ومعلمات الصفوف الأولى.. أنتم بناةُ حضارات!
هل رأيتَ يومًا بناءً أعجبكَ كثيرًا، فيه ألوان زاهية وكسوات بديعة؟ قبل أن تمدحَ من أعطاه تلك الألوان، عليكَ أن تمدح من حفرَ حفرةَ أسس المبنى، وثبَّت دعائمَه فاستقام، فلولاه ما كانَ ذلكَ البناء.
هؤلاء هم معلمو ومعلمات الصفوف الأولى من المدارس، كم يدهشنا صبرهم وسعة صدورهم، وقدرتهم على نظمِ تلك الباقة من البراعم التي فيها من ينطّ ومن يشاغب ويفرط في الحركة ومن يضحك ومن ينام، ومن يحتاج قضاءَ حاجته، كلّهم ينتظمون في صفٍّ واحد، يسمعونَ ويطيعون. لابد أن الله سبحانه وتعالى وضعَ في هذا الصنف من المعلمين والمعلمات من سحرِ القدرة ما لم يضعه في غيرهم!
أجزم أن من يدرس طلاب المدارس المتوسطة والثانوية والصفوف الجامعية، هو أقل معاناة من الذي يدرس الصفوف الابتدائية. حيث على هذا النوع المبدع من المعلمين أن يكون معلمًا، وأبًا ومرشدًا، وأحيانًا حافظ أسرار، كلهم في شخصيةٍ واحدة! أعانهم الله وأمدهم بالطاقة على مداراة ورعاية من يحتاجون رعايةً خاصة من الطلاب شاردي الذهن، والمفرطين في الحركةِ والنشاط، بجرعاتٍ زائدة.
هذا النمط من المعلمين والمعلمات، أصبحوا اليوم مبدعين في طرائق التعليم والتواصل مع الطلاب والطالبات. فبعد أيام جيلنا، الذي كان حظه من التعليم ”السبورة والطباشير“، هم يستعملون وسائلَ وأدوات عصريّة، منها سمعيّة وبصريّة وحركيّة وهدايا ويتابعون مع أسر طلابهم، كل ذلك لكي يكون الأساس أقوى وأمتن!
بشراهم، إذا قاموا بهذه الأمانة بإخلاص صحّ فيهم قولُ النبيّ محمد ﷺ: ”إذا قالَ المعلم للصبي: قل: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال الصبي: بسم الله الرحمن الرحيم، كتب الله براءة للصبي، وبراءة لأبويه، وبراءة للمعلم“.
من أعجبِ العجائب أن هذا الصنف من المعلمين هو ليّن هيِّن، يتعامل مع تلك العجينة بكل دِفءٍ ورقةٍ وحنان، لأنه لا يجوز له - ولا لها - الجور في تأديبهم: يَحكي التاريخ أن عليّ بن أبي طالب «عليه السّلام» ألقى صبيانُ الكتاب ألواحَهم بين يديه ليُخير بينهم، فقال: أما إنها حكومة! والجور فيها كالجورِ في الحكم، أبلغوا معلمكم إن ضربكم فوق ثلاث ضربات في الأدب اقتص منه.
إذًا، هل تشكون أن هذا الصِّنف من المعلمين هو واضعُ أساس الحضارات في كل العالم، إذا فشلَ ضاعَ مستقبل الأجيال، وإذا نجحَ انفتحت للأجيال كل أبوابِ الحياة؟