أمّي ليست خادمة.. هل على هذا نربي أجيالنا؟
كلكم سوف تصفقون لتلك الفتاة، في الحاديةَ عشرة من عمرها، وحملت عن أمِّها كثيرًا من الأعمال اليوميَّة، مثل إعداد قائمة حاجات المنزل، وبعض أنواع الأكل، وغيره من شئونِ الأسرة، ولم ينقص من قدرها أو علمها شيء. وذلك الصبيّ الذي صارَ طبيبًا الآن، في صغره كان مسؤولًا عن التبضع وإعداد ميزانية المنزل.
ثلاثُ كلمات - أمّي ليست خادمة - أتمنى لو علقناها في دورنا، وألزمنا صغارنا وكبارنا أن يحفظوها عن ظهر الغيب، وعملنا بها، قولًا وفعلًا. لكن قولوا لي كيفَ نحن الآن؟
أغلب أبناءنا وبناتنا لا يفرقون بين من يقوم على خدمتهم حبًّا وكرامة، لا ترجو المال، وأجرتها سعادة من تخدم، تلك هي الأمّ. وبين من يخدم كعامل بأجرة، وهي العاملة. ذلك لأننا - آباء وأمهات - لا نزرع فيهم هذه المعرفة باكرًا في حياتهم، ولا نلزمهم أن يُمارسوها، فعلًا. وإليكم نظرةً سريعة على جدول الأمّ الحافل بالمهامّ المضنية، بدأً من السَّاعات الأولى من اليوم، وحتى النَّوم. أما جدول الأبناء والبنات، فلا يعدو الراحةَ واللعب والتسكع، وإذا كان من ساعةٍ واحدة لاستذكار الدروس، فذلك يوم رائع ويستحق الإشادة.
هل تستغربون أن واحدًا من أسبابِ الطَّلاق هو كسل أحد الزوجين، إما المرأة تكسل عن خدمةِ المنزل في الحد الأدنى، أو الرجل يكسل عن كسبِ رزقه والقيمومة على عياله؟ إذًا، لماذا لا نغرس في أطفالنا المبادئَ والقيم المهمة، التي يقوم عليها مستقبلهم، ومنها أنهم ليسوا مصنوعين من زجاج - ينكسر - وعليهم المشاركة في تدبر حياتهم دونَ ماما، أو ماري وتاري؟!
وكيف نحرم بناتنا من هذا الجزاء الجميل عندما يكبرن ”أيما امرأة رفعت من بيتِ زوجها شيئًا من موضعٍ إلى موضع تريد به صلاحًا نظرَ الله عزّ وجل إليها ومن نظرَ اللهُ إليه لم يعذبه، فقالت أمّ سلمة رضي الله عنها: ذهب الرجالُ بكلِّ خير فأي شيء للنساءِ المساكين؟ فقال ﷺ: بلى إذا حملت المرأةُ كانت بمنزلةِ الصَّائم القائم المجاهد بنفسه وماله في سبيلِ الله، فإذا وضعت كان لها من الأجر مالا تدري ما هو لعظمه، فإذا أرضعت كان لها بكل مصة كعدل عتق محرر من ولدِ إسماعيل، فإذا فرغت من رضاعه ضربَ ملكٌ على جنبها وقال: استَأنفي العملَ فقد غُفر لك“.
هل مشقة على الأولاد والبنات ترتيب الفراش، وغسل الأطباق والأكواب، وإخراج القمامة، وفرش سفرة الطعام، وشراء بعض حاجيات المنزل، وغير ذلك من أعمال تخفف عن الأمّ - والأب المسكين - بعضًا من المهامّ اليومية، وينتفع بها الصبية والصبايا في مستقبل حياتهم؟!