آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

مدينتي الجميلة

علي أحمد آل رضي

بالرغم أن عدد سكان اليابان في المرتبة 63 بين دول العالم تتربّع عاصمتها طوكيو على أعلى عدد سكان المدن العالمية ومتقدّمة على دلهي وشنغهاي وساو باولو وضعف عدد سكان مدينة نيويورك مع أن مساحة نيويورك تزيد بنسبة الربع. ليس دائماً الكثافة السكانية تكون وجهة ومعياراً إيجابياً حيث تلعب ظروف العمل والتعاقب الأسري والمجتمعي كما الهجرة خارج الإرادة. أسباب عدّة تلعب دوراً كبيراً في تحركات الشعوب بين دول ومدن العالم، ويختلف المستوى المعيشي بين الأربع مدن الأكثف سكاناً عالمياً حيث نلحظ التطوّر والرفاهية في طوكيو وشنغهاي بينما يعيش البعض الفقر وصعوبة مقوّمات الحياة في مدينتي دلهي وساو باولو.

ثمة احتياجات يطمع الفرد إلى وفرتها في محيط سكنه ضمن أولوياته وأسرته وهي في الغالب لا يمكن تحقيقها بالكامل في أي مدينة، وتمنح السعادة حال توفّر مجموعة رئيسة منها بما يعزّز الأمن والراحة والرفاهية لجميع شرائح المجتمع، لذا قد يتّفق الأطياف في الأمور العامة الأساسية وتختلف أولوياتهم في التفاصيل حسب هواياتهم وحجم الأسرة والعادات السابقة والفكرة التي تم الإيمان بها لأنها كانت كما يعتقد من خبير ومن مصدر ثقة، وهذا قطعاً مختلفاً بتاتاً عن التعلّق بالأوطان والمكان الذي تربى فيه الذي يسري في دماء كل بشر عاش الفقر والتعاسة وآخر تسلّق على أكتاف المجتمع ووصل إلى طبقة مرتفعة من نمط الحياة.

الحلم لمدينتي الجميلة يتطلب مواصفات كثيرة وشاملة تلبي متطلّبات الأطفال والبالغين وكبار السن والعجزة وأجيال المستقبل وتشمل الهدوء والازدهار والنظافة والخضرة والبيئة والتمدّد والخدمات المدنيّة والصحيّة والرياضيّة والتعليميّة والترفيهية والتجاريّة وشركات الأعمال والطاقة النظيفة والذكاء الاصطناعي. جميع تلك المواصفات تلبي طموح شريحة واسعة من البشر ولعل جمع بعضها فيه تناقض فمن المستحيل أن تنال الهدوء وأنت تسكن قريباً من الشوارع السريعة أو المجمّعات التجارية كما أن التمدّد العمراني قد يتعدّى على الخضرة والمواقع الترفيهية.

تعتبر وسط أوروبا والتي تشمل مناطق غرب المانيا ولوكسمبورغ وسويسرا من اهدأ المناطق العالمية نظراً إلى قلّة الإجهاد والتوتّر على سكان هذه المناطق وانخفاض معدل البطالة والتلوّث وانعدام الازدحام المروري وقلة الكثافة السكانية، وتتميّز هذه المناطق بالصناعات المتطوّرة والزراعة والثقافة والتجانس المحترم بين قاطنيها من مختلف الأديان والأمصار وتكثر فيها المصارف والمصانع والفنون والمسارح، ومن الجهة المعاكسة تعتبر مدن بغداد وكابول ومانيلا ولاجوس النيجيرية من مدن الأعلى معدلات التوتر لأسباب عديدة مرتبطة بانعدام الأمن والبطالة والكثافة السكانية والنمط المعيشي الاقتصادي الصعب، ويشارك في هذا التوتّر والصعوبة المدن الأكثر تلوّثاً والتي منها نيودلهي وبومباي والقاهرة ودكّا واسطنبول.

لم تحدّ الكثافة السكانيّة ولا صغر مساحتها مدينة طوكيو عن التطّور التقني السريع حيث تتربّع على مناصب الأكثر ازدهاراً والأغلى معيشة وتنافس مدن نيويورك ولندن وباريس على تقنيات المدن الذكيّة، هذا المجال الذي بدأت المملكة السعي الحثيث لتحويل خمس مدن رئيسة إلى مدن ذكيّة وهي مكة والرياض وجدة والمدينة والدمام ويشير موقع وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان أن هذا التحويل سوف يساعد في تحقيق كفاءة عالية في إدارة المدن، ورفع مستوى جودة الحياة في المدن السعودية وتحسين سهولة الحصول على الخدمات وجذب استثمارات مباشرة للمدن السعودية وزيادة المستوى التنافسي للمدن السعودية وخلق فرص عمل للسكان، ولدينا تطلّعات جميلة نأمل أن يتقدّم الزمن وتتحقّق كل الأهداف ويعمّ الازدهار في كل مدينة وقرية.

أهداف التنمية المستدامة المشار إليها في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تشمل 17 بنداً تحقق الازدهار للسكان، ويعلم الجميع أن رؤية المملكة 2030 والتي اعتمدت عام 2016 حددت ثلاثة محاور تتفرع إلى 96 هدف تتوافق مع أهداف التنمية المستدامة على أمل تحقيق كامل الأهداف عام 2030، ولكن بدأت الإنجازات تلوح وهي مدوّنة في موقع الرؤية نذكر منها تقليص مدة الانتظار للحصول على الدعم السكني وتسهيل إجراءات الحصول على الخدمات الصحية الطارئة وتحقيق إنخفاض في معدل وفيات حوادث الطرق وزيادة عدد المواقع التراث الوطني القابلة للزيارة وتضاعف الإيرادات غير النفطية وتسهيل اجراءات تأسيس الشركات واستخراج السجل التجاري وارتفاع نسبة مشاركة المرأة في القوة العاملة ودعم الأسر المنتجة، ومن اهداف الرؤية قيد التنفيذ اجراءات مرتبطة برفاهية الإنسان والاقتصاد الرقمي وتطوير الأنظمة الحكومية وتمكين المسؤولية المجتمعية.

لا جدال أن الأماني كثيرة ومتفرّقة بين رأي وآخر حسب الظروف والميول والتوقّعات، لذا نرى أن يُعدّ دليلاً ارشادياً يوضح فيه احتياجات الحي والمدينة بشكل عام، منها ما يلي:

• تحديد نسبة المسطّحات الخضراء والحدائق في الحي والمدينة

• تحديد نسبة المناطق الترفيهية للعوائل والأطفال

• تحديد معيار الحاجة إلى مستشفى والسّعة حسب عدد السكان

• تحديد معيار الحاجة إلى كلية أو جامعة حسب عدد السكان

• فصل المدن السكنية عن المدن الصناعية

• هندسة حركة سير وسرعة المركبات داخل الأحياء السكنية وتقليل التقاطعات

• تطوير نظم جمع المخلّفات وطرق التخلّص منها

• تخصيص بعض المنافذ الداخلية ووسط المدينة للمشاة فقط

نسافر إلى الأماكن الجميلة لأنها مصدر سعادة وطاردة للتوتّر وفيها نشعر بالهدوء والرفاهية والتسلية. زانت الأوطان.