آخر تحديث: 8 / 12 / 2024م - 9:10 م

التقدم والتقادم

كمال بن علي آل محسن *

كثيرًا ما نسمع هذه الجملة والتي تقول: «من لا يتقدم يتقادم»، وتتكرر على كثير من الألسن كمبدأ مسلم به وينطبق على كل موقف وخبرة وموضوع، ولكن هل حقًّا أن هذا المبدأ راسخ وثابت وصحيح في كل شيء، أم أن هنالك أمورًا مستثناة ولا تنتمي لأسرة هذا المبدأ، بل هي غريبة عنه؟!

إن عدم التقدم في العلم وفي الفكر وفي المعرفة وفي تطوير الذات وغيرها مما هو في حاجة إلى تغيير وتطوير وتحسين ستكون نتيجته الحتمية - والتي لا يختلف عليها الناس - التقادم والتأخر وما شاكل ذلك من مترادفات ومعانٍ، غير أن ذلك لا ينطبق على الأخلاق، والتي تحاول فئة من بني البشر إدخالها عنوة ضمن دائرة التغيير والتطوير؛ وذلك لتمرير مصالحهم الشخصية دون النظر إلى المآلات السلبية والأضرار الأكيدة على المجتمع جرَّاء هذا السلوك المشين، والذي لا يتوافق والضمير الإنساني الحي الذي يسعى إلى إبقاء الأخلاق كمنظومة جالبة للخير وطاردة للشر، تجنب الإنسان الوقوع في الخطيئة والعيب، ويتحقق من خلالها مفاهيم العدالة والحرية والمساواة بين البشر كافة.

إن من يضرب بالأخلاق المنظمة لسلوك الناس عرض الحائط؛ بغية تحقيقه لمنفعة آنية صغيرة أم كبيرة، لا بد له أن يتنبه إلى خطورة ذلك في تشويه المجتمع الذي ينتمي إليه، إن كان يشعر بهذا الانتماء، فلا يطعن في الأخلاق الأصيلة التي تحقق التوازن في سلوك الأفراد، لينعكس ذلك إيجابًا على سلوك المجتمع، فيتقدم فيما يلزم فيه التقدم، مع التمسك بالقيم والمبادئ الصحيحة، والتي لا تتعارض والأخلاق الفاضلة.

إن إطلاق هذه الجملة «من لا يتقدم يتقادم» على كل شيء دون تمييز، وعدم ضبطها بضوابط وشروط تحدد الأطر العامة لها، وما يندرج تحتها من أمور وقضايا ومسائل سوف يخلط بين القوائم والتصنيفات والتفريعات، ليجعلها قائمة واحدة ذات وجه أحادي، يكون فيها كل شيء قابل للتقدم، وهذا ما يجب أن نقف عنده فلا نتبناه أو نؤسس له بل نعارضه ونرفضه، فلا نغير في الأخلاق بحجة التقدم ومشكلة التقادم، فإماطة الأذى، وتجنب الغيبة والنميمة، والوفاء بالعهد، والتواضع، وقول الصدق وتجنب الكذب، والرحمة والبر، والظن الحسن، وغيرها لا تقادم فيها ألبتة، وليست من الأمور التي يدعو البعض إلى تغييرها وتبديلها؛ تحقيقًا لأهدافهم المشبوهة، والتي تشوه في المجتمع وتنخر في أعمدته، ليصبح ذا هوية ضائعة تخلو من الملامح الواضحة، فلا قيم ولا مبادئ ولا أخلاق، ولكن مصالح شخصية تطغى، ومنافع فردية لا تريد الخير للمجتمع الذي تعيش فيه.

قال الإمام علي بن أبي طالب : «إذا فقدت المال لم تفقد شيئًا، وإذا فقدت الصحة فقدت بعض الشيء، وإذا فقدت الأخلاق فقدت كل شيء».