يا فاطم: غدًا لن يَطرِقَ البابَ محمَّد ولن يأتيَ جبرئيل!
حكايةُ حبٍّ لا يضارعه حبّ بين النبيّ محمَّد صلى الله عليهِ وآله وابنته فاطمة عليها السَّلام، ومن قبلها كانت حكاية حبِّه لأمها خديجة عليها السَّلام. إلا أن حكاية حبِّه لفاطمة كُتبت حروفها من نورِ آياتٍ قرآنية. هو والدها وهي امتداد كوثرهِ الموعود، ثم في اليومِ الثَّامن والعشرين من شهرِ صفر، السَّنة الحادية عشرة بعد الهجرة، لم يعد النبيّ يطرق بابَ ابنته فاطمة، لأنه انتقلَ إلى حيث لا يموت. وقال جبرئيل: السَّلام عليك يا محمَّد هذا آخر يوم أهبط فيه إلى الدّنيا.
هل يا ترى أن المؤرخين بالغوا - غير عامدين - في المدَّة التي عاشتها فاطمة بعد أبيها محمَّد، إلا إذا كان التنفس شرطًا للحياة، وبه تقاسُ الأعمار. أما هي فقد ذبلت وردتها وماتت في ذاتِ اللَّحظة التي أخذَ فيها أبوها آخرَ أنفاسهِ من الدّنيا، فأيّ حياةٍ عاشت إذًا؟!
كان رسول الله صلّى الله عليهِ وآله يجئ كلَّ يوم عند صلاةِ الفجر حتى يأتي بابَ عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السَّلام فيقول: السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فيقول: عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السَّلام: وعليكَ السَّلام يا رسولَ الله ورحمة الله وبركاته، ثم يأخذ بعضادتي الباب ويقول: الصَّلاة الصَّلاة يرحمكم الله «إنما يريدُ الله ليذهبَ عنكم الرجسَ أهلَ البيت ويطهركم تطهيرا» فلم يزل يفعل ذلك كلَّ يوم إذا شهدَ المدينة حتى فارقَ الدنيا.
في اليوم الثَّامن والعشرين من شهر صفر انتهت حكايةُ هذا الحبّ، واختصرتها حضرتها في: ”إنا فقدناكَ فقدَ الأرضِ وابلها“، وصارت تمر الساعاتُ والليالي ثقيلة على صدرها، في انتظارِ أن تشربَ كأسَ الموتِ بفرحٍ ولذَّة، وترتَحل إلى حيث أبيها. وصفَ المؤرخون تلكَ الأيَّام بأنها ”عاشت بعد رسولِ الله ﷺ خمسة وسبعين يومًا لم تُر كاشرةً ولا ضاحكة تأتي قبورَ الشّهداء في كلِّ جمعةٍ مرتين: الإثنين والخميس، فتقول «عليها السَّلام»: ههنا كان رسول الله وههنا كان المشركون“.
كان صعبًا على السيِّدة فاطمة أن تصدّق أنها لن تر أباها ولن تسمعَ وقعَ قدميه ونغماتِ صوته. لن يطرقَ البابَ ولن يقبلها ويلاعب طفليها، الحسن والحسين. غابَ عنها جسده إلا أنه كان رفيقًا لها في فكرِها حتى لحظةَ موتها، ما يدفعنا لنسألَ أنفسنا سؤالًا لا نجد له جوابًا بعد: أيّهما أعظم شوقًا وحبًّا للآخر، فاطمة لمحمّد، أم محمّد لفاطمة؟ ”فاطمة بضعة منّي“، ثلاث كلمات فيها حقيقة وحدة وانفراد فاطمة بسرّ الأسرار، فلن نستطيع مهما جهدنا أن نقتربَ من إدراك تلك الأسرار!