آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

توقيع كتابين عن الشيخ باقر بوخمسين

علي عيسى الوباري *

عندما نكتب عن شخصية ما، لا بد أن أن نقرأ ونكتب عن بيئة نشأته وملامح تلك البيئة من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والثقافية حتى نحكم على شخصيته ورسالته وأدواره مقارنة بالشخصيات المشابهه وما قدمه مختلفا عنهم وما تميز به عن أقرانه، وبقاء عطاء شخصيته واستدامتها حسب معاني الحديث النبوي ”إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاث صدقة جارية أو كتب علم يُنتفع بها أو ولد صالح يدعو له“.

كتابة السير والتراجم مطلوبة خصوصا لهؤلاء الذين لديهم آثار علمية وادبية وعطاء خيري وتنموي لأن ايثار الشخص هي قيمة دينية مستحبة واختيارية يقدمها رجل البر والعلم للمجتمع بمحض إرادته فإذا مات المضحي المعطي تحول هذا العطاء العلمي والخيري والتضحية إلى دين اجتماعي يرد عليه بالثناء والشكر والذكر الطيب والتوثيق.

شخصية سماحة الشيخ باقر موسى بوخمسين التي حظيت بالكتابة اكثر من غيرها سواء اكانت مقالات أو كتب بسبب تفردها بخصائص معينة اعتبرت امتيازا لآثاره العلمية والادبية ولدوره في الإصلاح الاجتماعي، ومن الذين كتبوا عنه الشيخ محمد الحرز، والاستاذ علي عساكر، والشيخ الدكتور محمد الخرس هؤلاء الكتاب اساتذة ونتعلم منهم، وما كتبوه اعمق واوسع من أن نعلق عليه إضافة إلى ما كتبته اقلام أخرى من أسرته ومن المقربين له اثناء الدراسة بالنجف الاشرف او بعد عودته منها.

كتاب الاستاذ علي عساكر «الشيخ باقر بوخمسين العالم الاديب المثقف» وكتاب الشيخ الدكتور محمد الخرس «الشيخ باقر بوخمسين وأدب المقالة والاستاذ احمد الزيات» حظيا بحفل توقيع واستحقت الشخصية المؤلف عنها ما ذكره المؤلفان المبدعان.

حسب قراءتي من الكتابين، بذلا جهدا طويلا وعميقا من قبل المؤلفين في شخصية دينية تجاوزت دور الداعية والشيخ المهتم بشئون الدين والمجتمع الذي اهتم بالشعر والادب والصحافة بالرغم أنه ترعرع في بيئة ثقافية لم تعتاد الصحافة الادبية والمتخصصة المكتوبة قبل هجرته للدراسة بالنجف الاشرف عام 1348 هـ جري، 1929.

إن تسليط الضوء بشكل مختصر على الواقع الثقافي وبالذات عن تاريخ الصحافة المكتوبة وتحديدا الادبية التي تعتبر متأخرة نسبيا عن دول عربية مثل مصر ولبنان والعراق وسوريا، ما يهمنا في شخصية سماحة الشيخ باقر بوخمسين الشخصية الحوزوية الذي تقلد منصب القاضي في المحكمة الشيعية بالاحساء، الذي تميز في الكتابة الادبية واهتم بالصحافة واعتبرها احدى الوسائل المؤثرة في توصيل الرسائل الدينية والاجتماعية والثقافية فابدع بالكتابة الادبية الصحفية لا سيما بالمقالة الادبية والقصة بذلك الزمن المعروف بالمحافظة الشديدة بدليل اغلب من كتب بالصحف والمجلات من الطلبة والشيوخ النجفيين كتبوا باسماء مستعارة. سماحة الشيخ باقر من هؤلاء الذي استشرف المستقبل بالاهتمام بالمجلات العلمية والصحف والدوريات المتخصصة، هذه تعتبر نقلة نوعية في واقع الحوزة العلمية والشيوخ بذلك الوقت، فهو مهاجر من منطقة لم ينضج فيها هذا النوع من الكتابة وهو ادب المقالة والقصة والنصوص النثرية الادبية الرمزية، تأثر بما رآه من المناخ الثقافي والجو الادبي المتقدم وتفاعل معه بحيث آمن بأن الصحافة وسيلة اتصال فعالة في زمن استقلال الدول العربية وفي عهد التيارات الفكرية التي تنقل بواسطة المجلات والجرائد.

المناخ الادبي والثقافي الذي خرج منه سماحة الشيخ وبالذات حركة الصحافة الادبية المكتوبة هذه لم تتضح معالمها في بيئة مولده ونشأته قبل السفر للدراسة بالنجف الاشرف عندما سافر من الاحساء بعمر 12 سنة بحسب ما ذكره الدكتور محمد الخرس والاستاذ علي عساكر.

الصحافة الادبية لم تظهر في المنطقة الشرقية بل في دول الخليج العربي، فكانت اول صحيفة هي الحجاز تصدر بمكة من عام1908 قبل التوحيد، وأم القرى عام 1924، وجريدة صوت الحجاز «البلاد» عام 1931 وكلها صحف تهتم بالشئون العامة، أما المجلة النوعية التي تهتم بالثقافة والادب فهي مجلة المنهل مؤسسها عبدالقدوس الانصاري تأسست عام 1348 هـ جري «1933» وصدر اول عدد سنة 1355 هـ جري - 1936.

وبعدها مجلة اليمامة اسسها المؤرخ الكبير حمد الجاسر بالرياض صدرت عام 1372 هـ جري «1953»، أما الصحافة بالمنطقة الشرقية، فصدرت بالدمام جريدة اخبار الظهران على يد عبدالكريم الجهيمان عام 1954، وقبلها جريدة خاصة «القافلة» من ارامكو سنة 1953، اما في الخبر فصدرت مجلة الإشعاع عام 1955 وهي شهرية ادبية صاحبها سعد البواردي.

وفي الكويت صدرت اول جريدة عام 1928 بعنوان «الكويت»، أما في دولة البحرين التي تعتبر متقدمة ثقافيا وادبيا فصدرت منها جريدة «اخبار البحرين» عام 1939 لصاحبها عبدالله المعاودة والدولتان قريبتان للاحساء والزيارات متبادلة بكثرة.

اما الحركة الادبية وتحديدا بالقصة القصيرة فصدرت اول مجموعة قصصية للاستاذ احمد عبدالغفور عطار عام 1946 بعنوان ”اريد أن ارى الله“.

أما بخصوص الصحافة المتخصصة فتعتبر مجلة المنهل اول مجلة ادبية ثقافية شهرية تهتم بالادب والثقافة لأن صاحبها اديب ومثقف وتميز صاحبها بالكتابة الادبية.

من الاستعراض الموجز عن الصحافة الوطنية التي صدرت بالمملكة ودول الخليج خصوصا القريبة يتبين لنا أن الصحافة الادبية «مجلة المنهل» صدرت والشيخ باقر رحمه الله في العراق، هذا البلد المعروف بصحافته وشعراءه وكتابه في كل انواع الادب من القصة إلى المقال الادبي فنقل الاستاذ علي عساكر بكتابه بصفحة 138 ما قاله حيدر محلاتي ”لم تزل النجف في جميع ادوارها التاريخية حافلة بمشاهير الشعراء وكبار الادباء والعلماء…“.

سافر الشيخ باقر من الاحساء عام 1929 بعمر 12 سنة يعني لم يعش في جو صحفي ادبي متخصص بمسقط رأسه، فانتقاله إلى العراق حرك شيئا في داخله وهي الهواية التلقائية الادب واهتمامه بالصحافة الادبية بكتابة المقال الادبي والقصة وكتابة القصائد، تأثر بصحافة العراق وكتابها والصحافة المصرية وحركتها الثقافية التي كانت متقدمة على غيرها في الصحفة والادب بأنواعه،

وكما ذكر الشيخ الدكتور محمد الخرس نقلا عن الدكتور عبدالهادي الفضلي تأثر الشيخ باقر بكتابات احمد حسن الزيات صاحب مجلة الرسالة الذي عاش بالعراق 3 سنوات وهي فترة تواجد الشيخ باقر بوخمسين بالنجف.

مع أن العراق بتلك الفترة متقدم اعلاميا خصوصا بالصحافة ومنها النجف الاشرف التي كانت تزخر بالمكتبات، فإذا كانت هذه المدينة الدينية الثقافية تخرج عالم وفيلسوف ومفكر الشيخ عبدالكريم الزنجاني «1308 - 1398» صاحب القصة المشهورة مع عميد الادب العربي طه حسين، نشر مقالاته بالصحف والمجلات العراقية، ويكفي أن نذكر مجلة «الغري» الذي اسسها شيخ العراقيين عبدالرضا آل كاشف الغطاء عام 1939 نشرت 128 مقالا ادبيا و54 قصة واستمرت بالاصدار حتى عام 1968 توقفت بموت صاحبها، النجف الاشرف احتضنت شعراء امثال محمد رضا الشبيبي الذي تفاعل مع حدث مأساوي عالمي وهو غرق سفينة تيتانك عام 1912 بقصيدة رائعة:

بابيك أقسم يا ابنة البحر الذي واراك كيف رأيت فتك ابيك، ومؤشرات الحراك الثقافي في النجف أن احد اصدقاء الشيخ باقر بوخمسين، وهو الشيخ باقر شريف القرشي الذي كتاب ”العمل وحقوق العامل في الاسلام“ وهذا المؤلف تفاعل مع نظام العمل والعمال العالمي.

كل هذه دلائل على تفاعل ادباء وعلماء النجف بالاحداث العالمية، كما نقل الاستاذ عساكر بكتابه صفحة 149 عن الدكتور عبدالرزاق محي الدين أن النهضة الادبية اول ما انبثقت في العراق وفي النجف من خلال السيد جعفر الحلي، هذا المناخ الادبي الثقافي حرك في الشيخ باقر حبه للأدب ليكون له موقعا بين كبار الكتاب والادباء وصوتا اعلاميا بوسيلة اعلامية غير مألوفة بمسقط رأسه وهذا يدل على نبوغه وابداعه في شأن مكمل لرسالته التي هاجر من اجلها، من يقرأ عناوين بعض كتبه واصداراته يتعرف على اهتمامه بالثقافة العامة والادبية وبغيرته على الدين ومتفاعل مع ما ينشر بالوطن العربي والرد عليه مثل كتابيه ”اثر التشيع في الادب العربي“ ردا على الكيلاني، وكتاب بعنوان ”لماذا نقدس القرآن“ وهذا رد على بعض الشبهات المثارة بتلك الفترة، اضافة إلى دراسته الحوزوية ونشاطاته الثقافية والاجتماعية بالنجف الاشرف.

الشخصية التي تتجاوز حدود ثقافة بيئة ميلاده ونشأته اراد أن يكون له تميزا في بيئة الادب والثقافة بإصدار مجلة الندوة عام 1951 في بلد غير وطنه، خصوصا بمجتمع له ثقافته الدينية المحافظة «النجف» يرى الاهتمام بغير الدروس الحوزوية غير مقبول وخروج عن الاعراف هذا ما اكده من درس بالنجف، بعض الحوزويين لا يتجرأ أن يشتري الجريدة علنا أو يكتب بصحيفة باسمه الحقيقي.

العمل على تأسيس مجلة لتكون وسيلة ابلاغ وجذب للشباب وللمثقفين في زمن الصحافة المزدهرة بلبنان وسوريا ومصر، هذا هو الابداع الذي اختلف عن سابقيه من اهل المنطقة الذين ذهبوا للنجف الاشرف طلبا للدراسة الحوزوية، عاد إلى ارض الوطن 1375 هجري «1956» في تأسيس وازدها الصحافة العامة والادبية والمتخصصة المحلية.

سماحة الشيخ باقر رحمه الله يحمل خبرة بالصحافة الادبية، مارس انواع الكتابة الابداعية منها المقال الادبي والقصة وننقل مقاطع من قصة «في الربيع» الذي نقلها الدكتور محمد الخرس بكتابه صفحة 86، من يقرأ هذه القصة يعرف أن الشيخ لديه ذوق ادبي وحس مرهف وصاحب جملة رمزية معبرة وعبارة ادبية راقية ومنها:

وعند الاصيل حينما تلقي الشمس ثوبا من النظار المذاب على أطراف الأعشاب وأعالي الاشجار…

وبمقطع آخر

لماذا لا تبسمين؟ الا يبعث الابتهاج ألى قلبك هذا المنظر الساحر ويطلق نفسك من أسر التقاليد والعادات ويرسلها في جو مخصب بالحري، فلا قيد هنا يا عزيزتي الغالية…

ماذا لو استمر الاهتمام بأدب المقالة والقصة القصيرة والرواية وكتابة المسرحيات فهذه الاصناف الادبية كانت مزدهرة بالعراق لو تم نقلها إلى الاحساء بشكل منظم،

لتضاعف عدد كتاب المقالات المتخصصة وظهرت اسماء بالقصة القصيرة والرواية والمسرح خصوصا أن ذاك الزمن بداية الابتعاث للدراسة بالخارج بواسطة شركة ارامكو ومن الجهات الحكومية، وايضا اتصال إداري ومؤسساتي وتفاعل ثقافي مع جنسيات متعددة من الذين عملوا بالسعودية مهندسون وفنيون، ومعلمون، واطباء من الدول العربية ومن أمريكا واوروبا محملين بثقافات بلدانهم المتنوعة عملوا بشركة ارامكو وهيئة الري والصرف.

‏مدرب بالكلية التقنية بالأحساء،
رئيس جمعية المنصورة للخدمات الاجتماعية والتنموية سابقا.