القطيف وخبز مريم!
بدأت معرفةُ الجيلِ القديم بالسيّدة مريم العذراء عليها السَّلام في السَّنواتِ الأولى من حياتهم. في تلك الفترة من الزمن كانت أمهاتهم يعودون من مجالسِ العزاء عن روحِ السيِّدة مريم حاملين الخبزَ الأصفر، يربطونه بين طيَّات أطرافِ الرداءِ الأسود أو ”الشيلة“، يوزعه أصحابُ المآتم في يومِ وفاة السيِّدة مريم في الخامسِ والعشرين من شهرِ صفر. كان بحق خبزًا طيِّبا يلمع مثل الذهب بصفارِ البيض ودبس النخلات القطيفية. اختفى الخبزُ الأصفر وبقي أهلُ القطيف على حبِّهم للعذراء، يكنّونَ لها ولمولودها - النبيّ عيسى عليه السَّلام - أجملَ الودّ والحبّ، ويؤرخون لوفاتها في شهرِ صفر.
مريم، التي قصَّ القرآنُ قصَّتها في معجزةٍ آسرةٍ للقلبِ والعقل، قال فيها رسول الله «ﷺ وسلّم»: ”لقد كمل من الرجالِ كثير، وما كمل من النساءِ أحد إلا مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم“. ما يعني أن فضل السيِّدة مريم لا يرتقي إلى فضل السيِّدة الزهراء، فاطمة عليها السَّلام وقد جاءَ في الحديث: ”إنما سميت فاطمة محدثة لان الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمَة اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين، فتُحدثهم ويُحدثونها، فقالت لهم ذاتَ ليلة: أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إن مريم كانت سيدة نساء عالمها، وإن الله عز وجل جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها وسيدة نساء الأولين والآخرين“.
قصة مريم في القرآن من أجملِ وأروعِ القصص التاريخية والدينية. وفيها دعوة بينة لشابّاتنا وشبابنا بالعفّة والنزاهة ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾ . ضربها الله مثلًا في القرآن باسمها - تصريحًا - وأثنى عليها ولم يذكر في كلامه تعالى امرأةً باسمها غيرها. وجاء اسمها في القرآنِ أكثر من ثلاثين مرة، وفي عددٍ كبير من السور.
في حياة السيِّدة مريم وابنها النبيّ عيسى من الطرائفِ والحكم والوصايا ما ترتاح له النفس، وموجود في كتب الأحاديث والسير الكثير من القصصِ الرائعة من حياتهما، عليهما أفضل الصلاة والسَّلام، ولعل القراء الكرام يستأنسونَ بها ويستحسنونَ قراءتها!