آخر تحديث: 26 / 12 / 2024م - 1:42 م

النبيّ طبيبٌ دوارٌ بطبّه.. نهج اختطه بعضُ مشايخ القطيف في الماضي والحاضر

نموذجان أو نوعانِ من الأطبَّاء، الأول يجلس في عيادته على كرسيٍّ خلف طاولة ينتظر المريضَ أن يطرقَ البابَ لكي يفحصَ علته، ثم يصف له العلاج. والثَّاني، طبيب يطوف على الدّور والمساكن يبحث عن المرضى، ويعالجهم. وإن كان الثَّاني يعيش في أذهاننا أكثرَ من الواقع، والنَّمط الأول هو ما تسالمَ وتعارفَ عليه المرضى والاطبَّاء، ذلك لأن الطَّبيب يحتاج إلى أدواتِ تشخيص يصعب حملها، إلا أنَّ في هذا المثال تقريبًا لفكرة قيمةِ اختلاطِ الطَّبيب بالمرضى وقربهِ منهم!

أطباءُ العقولِ والدِّين والأخلاق - ولنسميهِم علماءَ أو مشايخ لا فرق - هم أيضًا صنفانِ واضحان، الأول يأتيه النَّاسُ ويقصِدوه، ونادرًا ما يكون هو الباحث عن مرضاه. والثَّاني يبحث عن مرضاه ويقوم بما يقتضيه لازم العلاج.

في هذا الزمان ”دوارٌ بطبه“ ليس بالضرورة أن يركبَ العالمُ دابته ويرتحل بين القرى والأرياف كما في سابقِ الأزمان، ويتعرض لأصنافِ المخاطرِ والمحن، يمكنه أن يتواصلَ مع النَّاس بوسائل الاتصالِ المستحدثة التي جعلت الرحلات الافتراضيَّة واللقاء سهلا. وفعلًا، كان في السابق من شيوخِ القطيف من يقصد القرى البعيدة عن الحواضر، والمدن الكبيرة، ويقيم بين النَّاس أيامًا، يعلمهم ما استطاعَ من أمور الدنيا والدين. وفي هذا الزمان - أيضًا - فيهم من استفادَ من الوسائط والتقنيات المستحدثة وخطا نحو النَّاس بفكره ونصحه!

هكذا وصف الإمامُ عليّ بن أبي طالب عليه السَّلام الرسولَ محمَّد ﷺ: طبيبٌ دوار بطبه، قد أحكمَ مراهمه، وأحمى مواسمه، يضع ذلك حيث الحاجة إليه، من قلوبٍ عمي، وآذانٍ صم، وألسنةٍ بكم، متتبع بدوائه مواضعَ الغفلة، ومواطنَ الحيرة. ثم كانت نتيجة هذا المنهج، وأيضًا بحسب رأي الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السَّلام: حتى أورى قبسَ القابس وأضاءَ الطريقَ للخابِط وهديت به القلوبُ بعد خوضاتِ الفتن وأقامَ موضحاتِ الأَعلام ونيراتِ الأحكام.

خلاصة البيان: أن في نهجِ النبيّ محمَّد صلى الله عليهِ وآله أنجع طريقة لاستئصالِ الدَّاء ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ . ذلك لأنَّ الطبيبَ الدوّار يجتمع عنده من الخبرةِ والتجربةِ أعظم من تجربةِ الطَّبيبِ الجالس في داره. وليس كل مريض - أو غافل عن مرضه - في استطاعته أو في رغبته أن يزورَ الطبيب. أليس إذًا عندما يتركهم الأطبَّاء دونَ علاج ينتشر الوباء؟!

مستشار أعلى هندسة بترول