سياحة جسدية وروحية
في زحمة هذه الحياة المادية، كان لابد لنا من بعض التغذية الروحية، ولذلك انطلقنا لأطهر بقاع الأرض، مهد الرسالة ومهبط الوحي، مكة المكرمة. سكنا في فندق برج ساعة مكة المطل على المسجد الحرام والكعبة المشرفة.
صلّينا واعتمرنا وغسلنا أرواحنا في المسجد الحرام، وشربنا من بئر زمزم الذي لا ينضب ماؤه. زرنا أبراج البيت التي تحوي خامس أطول مبنى قائم بحد ذاته وأكبر ساعة في العالم. ثم ذهبنا لرؤية متحف برج الساعة، ثم جبل النور وغار حراء، الغار الذي كان يختلي فيه الرسول الأعظم، ويتعبد بعيداً عن رجس الجاهلية حتى نزل عليه الوحي.
شعور أن تزور مكانًا خطا فيه أعظم الخلق هو شعور لا يوصف. زرنا غار ثور الذي أوى إليه النبي وصاحبه في طريقهما للمدينة المنورة، تخفيًا من أعين قريش. حاكت عنكبوت بيتها على فوّهة الغار للتمويه، وكم أحببت العناكب بسبب تلك القصة.
بعد ذلك، طفقنا لزيارة مسجد البيعة الذي شهد اجتماع النبي بالأنصار لأول مرة حين بايعه 12 شخصًا فقط في بيعة العقبة الأولى، ثم مسجد الجن الذي سمّي بذلك؛ لأن الجن بايعوا النبي عنده. بالرغم من كون مكة قبلة مسلمي العالم وعاصمتهم الدينية، لكنها تحوي الكثير من الحدائق والمتنزهات والأسواق أيضًا.
بعد ذلك توجهنا ليثرب، طيبة الطيبة، المدينة المنورة، مدينة رسول الله، وكان المسجد النبوي وجهتنا الأولى، زرنا أطهر خلق الله، وقمنا بجولة في المسجد الذي يُعتبر تحفة فنية معمارية مذهلة. ثم اتجهنا لأول مسجد بُني في الإسلام، مسجد قباء وبعده مسجد القبلتين الناصع البياض. بعد ذلك ذهبنا لجنة البقيع التي تضم قبور آل بيت الرسول وقرابته وآلاف الصحابة. ثم ذهبنا لجبل أحد الذي قال عنه الرسول: ”إنه جبل يحبنا ونحبه“، وعليه سمّيت معركة أحد التاريخية الشهيرة.
بعد ذلك، زرنا مقبرة الشهداء وصعدنا جبل الرماة الذي نقلني لذلك الزمان ولتلك الأحداث عندما خالف الرماة أوامر رسول الله، ونزلوا منه ظناً منهم أن المعركة قد انتهت، وتخيَّلتُ المعركة وكأنها تحدث أمامي. قبل مغادرتنا، مررنا بمتحف المدينة المنورة، المبنى العثماني الجميل الذي كان محطة للقطار، وتحوّل لمتحف يضم العديد من التحف الأثرية.
بعد رحلتنا الروحية المشبعة بالنفحات الرحمانية، اتجهنا لسويسرا الشرق، مدينة الضباب الذي يعانق قمم الجبال وأجمل واحة، مدينة الباحة. سكنا في قبب غابة مهران المرتفعة المُطِلة على حافة هاوية.
وفي اليوم الثاني تجوَّلنا في وادي تربة زهران، وهو أحد المعالم الطبيعية النادرة. قريتا ذو عين والأطاولة كانتا وجهتينا التاليتين بمبانيهما الأثرية الرائعة وطبيعتهما الخضراء، وسوق الربوع الشهير في الأطاولة. عشقت الباحة بكل ما فيها، لكن أكثر ما أعجبني هو إطعام الحيوانات، والتقاط الصور معهم على طول طريق غابة رغدان المميزة جداً، ثم تجربة الانزلاق الحر المثيرة في منتزه رغدان.