أي صورة لنا نودّ أن تبقى في ذاكرةِ النَّاس؟
رأيتُ يومَ أمس صديقًا كان يرقد على السَّريرِ الأبيض في المشفى، يرجو من اللهِ العافيةَ وتمامها، ومع أن صورته الآن تغيرت كثيرا، هبطت وجنتاهُ الممتلئتان، وشحبَ لونه. إلا أن هذه الصورة لم تثبت في ذاكرتي، ولم تستطع سُلطةُ المرضِ أن تدمر صورته التي لطالما رأيته فيها قبل المرض. وبعد هذه الزيارة - القصيرة جدَّا - جالَ في خاطري، في أي صورةٍ نحب أن يتذكرنا النَّاس؟
بالطبع ليست صورة السَّرير الأبيض، ولا صورة العصا، بل أجمل صورة هي التي نبدو فيها لا ننشد الموت. ليست صورة الرّجل الذي تهدّمت أسواره وانتقضَ أساسه، بل صورة من يريد أن يتخلص من الموت، لو استطاع لذلك سبيلا! ليست صورة الهرم الذي تبدلت قوته ضعفًا، وصارَ جاهلًا بعد علمٍ وناسيًا بعد ذكران، واستحكمَ الضعفُ في جميع آلاته. وأنى للإنسان أن يكونَ له ما تمنى؟!
الحقيقة هي أننا - كلنا - إذا عمرنا نكبر وتتغير صورنا، ولا نستطيع أن نهرب من الشيخوخة، إلا بمقدار ما يكتبه اللهُ لنا من امتدادِ الرَّاحة، وإلَّا فبمرور الليالي والأيام، لابد من الشيخوخة. يروى أن رسول الله صلى اللهُ عليه وآله، قال: ”ما بين الستين إلى السبعين معترك المنايا“، وهي السَّنوات التي تظهر فيها بوضوح علاماتُ الكِبَر.
خلاصة الكلام: احتفظوا بأجمل صور وأحلى ذكريات لأصدقائِكم وأحبابكم، وإذا جاءت منحدراتُ العمر ومطباته، هي الصور التي تخيلوها واستعيدوهَا في ذاكرتكم. هم في فصولِ الكِبَر والمرض أحباء الله، يزرعونَ زرعهم ويحصدونَ حصادهم الأعظم.
من أصعبِ الأيام أن يبقى الإنسان محطَّم الجسد، ينتظر الصحَّة فلا تأتي، ويومًا بعد يوم تزداد حاجته لغيره، وما أن يزوره من يعرفه يقول: لقد رأيته في حالٍ أحسن من هذا الحال! عافانا اللهُ وإياكم، تبقى الحياةُ جميلة مع دوام العافية، وإلا قد يكون ”الموت ملح الحياة“.