لم يكتب كتابًا قط.. لكن لم يخل من اسمهِ كتاب!
إذا عرفتموه، صلوا عليه وآله، وإن فاتكم تذكره فهو النبيّ الأمي القرشي الهاشمي العربي التهامي المكي المدني، محمد ﷺ، الذي بحق لم يخلق اللهُ أكملَ منه خَلقًا وخُلقًا!
لا تكاد تجد كتابًا اليومَ يخلو من ذكرِ النبيّ محمَّد - إما تصريحًا أو تلميحًا - مع أنه صلوات الله عليه وعلى آلهِ لم يكتب ولم يخطّ كتابًا قط. وقد عرفه قومه على هذه الحال عندما خالطهم وعاشرهم قبل نزولِ الوحي، فلم يبقَ مكانًا لريبة أن يكونَ القرآنُ كلامًا لفَّقه من عنده، أو اقتبسه من كتبِ السَّابقين.
فكم هو حريّ بنا نحن - أتباعه - أن نكتبَ عنه وننشرَ معارفه قدر ما استطعنا. فإن لم نكن قادرين على الكتابة، لا يسقط عنا لزوم قراءة مقتطفاتٍ من سيرته، حتى ترانا لا يخلو بيتٌ من بيوتنا أو مكتبة من مكاتبنا إلا وفيها من أجود وأمتن ما كُتب عنه وفيه، ﷺ. ولعل في هذه الأيام - بين مناسبة وفاته في شهرِ صفر ومولده في شهرِ ربيع الأول - فرصة لنا لننالَ قسطًا، ولو ضئيلًا، من عطرِ سيرته!
من المؤكد لو بُحثت آثارُ النبيّ المختار الدينية والأخلاقية والتربوية وخصالهِ الشَّريفة لملأ الباحثونَ منها أحمالًا ثقيلةً من الكتبِ الراقية والبديعة، التي تتجدد كلما استجدَّ الزمان. وإذا كان من يشتري الأحجار الكريمة يسأل عنها الجوْهريّ، فلنسأل الإمامَ عليّ بن أبي طالب عليه السَّلام عن هذا النبيّ الذي اختاره اللهُ من شجرةِ الأنبياء: ”طبيبٌ دوارٌ بطبه، قد أحكمَ مراهمه، وأحمى مواسمه، يضع ذلك حيث الحاجة إليه، من قلوبٍ عمي، وآذانٍ صمّ، وألسنةٍ بكم، متتبع بدوائه مواضعَ الغفلة، ومواطنَ الحيرة“.
إذًا، رأى الإمامُ عليّ عليه السَّلام في النبيّ صلى اللهُ عليهِ وآلهِ طبيبًا لا ينتظر المرضى، إنَّما هو: ”دوَّار بطبه“، أكثر تجربة، وأشدّ تواضعًا، يبحث عن مرضى القلوبِ والعقولِ والأخلاق أينما كانوا، يعالجهم حتى يشفوا. وهكذا يجب أن يكونَ الأطبَّاء - والعلماء - يدورون على مرضاهم، ولا ينتظرون الداءَ يستحكم فيهم.
خلاصة الكلام: مع كثرة ما كتب في النبيّ الحبيب محمَّد صلى اللهُ عليهِ وآله، هناك متَّسع للغوصِ في بحر حكمته العظيم. فذلك شاعر وثانٍ باحث وثالث كاتب، وهكذا دواليك، حتى إذا ما سأل سائلٌ عنه، كلنا نقول: هذا نبينا، وهذه سيرته، وهذه ثمرات حياته، كتبناها سيرةً عطرة لا تمحوها الأيام!