آخر تحديث: 26 / 12 / 2024م - 3:31 م

عودة الزمان … النِّساء أيضًا يشربون الدخان!

المهندس هلال حسن الوحيد *

كان تعاطي ”التتن“، عادةً مستشريةً بين رجالِ ونساءِ الجيلِ القديم - بما فيهم الشباب - كان عندهم التدخين أمرًا عاديًّا، على الأقل بالنسبة للرجل أن يتعاطى الدخان بجميعِ أنواعه. منظر ”النارجيلة“ و”القدو“ يطوف حول الجالسين أينما توجهت، والسَّجائر في العمل يبعث على الأسى، وكان الجهل بأضرارِ التَّدخين في ذلك الجيل غائبًا عن المشهد، وكذلك الاهتمام بالصِّحة والهندام أيضا.

من الطبيعيّ انتشار التَّدخين قديمًا - بين النساء - في مجتمع أقرب للأمية، وأغلب أهله يعملون في مهنٍ بسيطة، لم يعرفوا الثقافة والتعليم الحديث، ويقضون ساعات الليل والنهار في دائرةٍ جغرافية واجتماعية صغيرة جدًّا. مع أني قد أسامح الرجلَ الخشن إذا تعاطى التدخين، ولا أعرف كيف لامرأةٍ حسناء جميلة أن تتعاطى تلك المادة، التي لا تتناسب وذلك الجمال؟!

تغير الزمن، أغلب النساء هجرنَ ”القدو“ ونسي الرِّجال ”النارجيلة“، ثم عاد الزمان - الآن - إلى تدخين المثقفين والطبقة المتعلمة، مختصون ومختصات في جميع المهن، يطربون على صوتِ الأرجيلة الجديدة، والتي مهما أعطيناها من أسماء جميلة، وألبسناهَا ملابسَ نظيفة ورشينا عليها روائحَ زكية، هي ليست إلا سمًّا في عسل، وعبئًا اقتصاديًّا لا داعي له، يضاف الى خانةِ السَّرف والتبذير، والتباهي المزيف.

ليس في الفكرة اعتراض على من يحب هذه العادة، بقدر ما هي ملاحظة في أن كثيرًا من العادات الاجتماعية، لا تكاد تخرج من باب مجتمع، إلا وتدخل من الشبّاك مرة أخرى. لا ينفع معها التطور العلميّ أو الوظيفيّ، فقط تتغير الأداة والطريقة وتبقى النتائج، كما هي الحال مع عادةِ التدخين.

كانت العجائز من النساء يتجمعن في أفنيةِ الدور في ضحواتِ النَّهار والمساء، والرجال في المجالس وتدور بينهم أدوات التدخين وتعلو أصوات السعال وتوابعه. الآن، في مكانٍ تبدو عليه الحداثة والأناقة، وتغيرت رائحة التبغ إلى روائحَ زكية بأنواع العطور والفواكه، وتحولت آلةُ التدخين إلى بلّور مصنوع في الخارج، والمدخنون ليسوا عجائز أو جهلة، بل من الطرازِ الحديث والمتعلم والمثقف!

زبدة الكلام: كلفتُ بها شمطاءَ شابَ وليدُها … وللنَّاسِ فيما يعشقونَ مذاهب

جاءَ في خاطري غرام النَّاس بأنماطٍ من الأمور، فقد تعجبني أكلةٌ لا تعجب غيري، وقد تطيب نفسي لرائحةِ طيبٍ لا يرغب فيه غيري، أو تغويني أنثى لا تغوي غيري، أما عادة التدخين فلن يستهويني مهما كانت رائحته أو طعمه!

مستشار أعلى هندسة بترول