آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

رحم الله شيخ حبيب الصعيليك

علي عيسى الوباري *

للفراق آثار تجفف الفؤاد، يُخفف وجعه بدموع العيون، تكتسي الوجوه الفزع والروعة ونتلحف بالصمت، نستسلم لشهقة القلب، نخففها بزفير الحزن العاشورائي هذه الحياة تمتلأ بلوحات الابتسامات والضحكات وبالنهاية يطغى منظر الوجع والحزن.

كان زميلا مميزا يجلس على طاولة بالصف الامامي قرب الباب، كان طالب متفوقا ومعروف باجتهاده وذكائه وحبه للدراسة وللغة العربية، كان يتفاعل ويتجاوب مع مدرس الرياضيات الفلسطيني وبمقرارات تلك الفترة الجبر والهندسة والحساب، بدأنا الدراسة من أولى متوسط حتى الثالثة وتفرقنا بين الثانوية وبين من ذهب ارامكو وطلاب التحقوا بالمعاهد وآخرون فضلوا العمل مباشرة.

كانت الزمالة على مقاعد الدراسة اقرب للتعارف القوي العميق والصحبة التعليمية التي تتيح للطلاب الحديث الشخصي والتعرف على جوانب شخصية الطالب زميل الدراسة التي تعتبر من اجمل الأيام في حياة المرء، مدة الدراسة ليست قصيرة ثلاث سنوات نشعر بساعاتها وأيامها مع من نصحبه ونزامله بزمن لا ينشغل الطالب بأجهزة ذكية ولا بألعاب الكترونية ولا بهموم المسئولية، كانت احاديث شخصية بسيطة بالفسحة وداخل الفصول تتقوى العلاقة بين الطلاب وترتقي إلى مستوى الصداقة وترسخ الذكريات الجميلة في ذاكرة خالية من الأوجاع.

بعد 10 سنوات تقريبا اخبرني احد الاخوة من الجبيل في حديث عن الدراسة بالمرحلة المتوسطة عند ذكر كل الزملاء وأين توجهوا قال حبيب الصعيليك توجه إلى دراسة العلم الحوزوي بقم بعد تخليه عن شركة ارامكو، قرار صعب لكن يعبر عن شخصية الشيخ حبيب ورسالته بالحياة التي تكونت من تربيته ونفسيته العالية، رأى الحياة رسالة سامية حين تخوضها بصعوبة شطف العيش، تنبأ عن إرادة قوية وعن عزيمة تتخذ قرارا صعبا لكن مؤمن به والايمان بالهدف يذلل العقبات الصعاب هذا ما طبقه سماحة الشيخ حبيب رحمه الله في ظل صعوبات وتحديات مادية.

يحمل خلقا رفيعة وسلوكا راقيا، هذا هو الشيخ الفاضل المرحوم حبيب الصعيليك الذي افتقدناه بسكتة قلبية يوم الاحد 5 صفر.

استمعت لبعض خطبه على المنبر الحسيني مباشرة، وكان كما عرفته بالمرحلة المتوسطة من فطنة ونباهه انعكست على اسلوب خطابه المنبري الهادئ، الخطيب الملتزم بخط أهل البيت ، الشيخ حبيب الصعيليك يستحق أن يسلك مسلك الخطباء والطلبة الحوزويين لما يتصف به من ذكاء لمسناه في دراسته واضافت له اخلاقه الراقية هذا الامتياز الخاص، الشيخ التقيت به شيخا، وجدته ذلك الشيخ الهادئ الوقور الورع المتواضع التي انعكست دراسته وثقافته الدينية على سلوكه مع الناس من تعامل حسن وبساطة في الحياة.

العفوية والبساطة بالحياة عاملان ينبعان من الزهد والتواضع وهما مؤشران على الرضا النفسي، من يرضى بذاته دلالة على قبول ما قسمه الله له، هذا الرضا جعله مستقر النفس، أدى إلى الثقة بالنفس التي دفعه لخدمة المنبر الحسيني والمؤمنين والمجتمع باطمئنان وقناعة، من علامات الرضا والتصالح مع الذات لدى الشيخ الراحل رحمه الله تخليه عن شركة يمكن تجعله من طبقة الميسورين اقتصاديا بل مرفها بمقايس المعيشة الاجتماعية المحلية.

اتجه نحو ما تدعوه طمأنينته وثقته بالله ولراحة نفسه المعطاءة، حتى يؤكد على ايمانه بالله ورضاه لما قُدر له عمل برسالة المؤمن بها المتوكل على الله باطمئنان، سار على منهج أهل البيت في خدمة المجتمع، جعل المنبر الحسيني منطلق رسالته والمجتمع ميدان عمله، اتجه نحو رسالة سماوية، يعرف أن طريقها شاق ومتعب من بداية الدراسة الحوزوية وما بعدها في معمعة حياة يغلب عليها النظرة المادية، هذا الانتقال الكبير الذي قام به الفقيد الشيخ حبيب استجابة لرسالته ورؤيته بالحياة، هذا ما يؤكده زملاؤه من طلبة العلوم الدينية ومن صاحبه في حملات الحج والعمرة، الشيخ حبيب رحمه الله كما ينقل عنه اقاربه ومعارفه بالجبيل قام بأدوار اجتماعية وثقافية وتوعوية دينية كبيرة ومؤثرة ما زالت آثارها بالمجتمع، كما جمعته ذكريات الدرس والتدريس بالحوزة بعدة شيوخ من مختلف مناطق الاحساء واثنوا على شخصيته المميزة.

رأى الاصلاح من اهم مهام طلبة العلم الديني والعامل على الخطاب المنبري، من يقوم بالإصلاح الاجتماعي لا بد من توفر عناصر ذاتية مثل الكفاءة العلمية والاخلاق العالية والأسلوب المناسب والطرق الافضل للتغيير والاصلاح والشيخ المرحوم حبيب يتحلى بها مما جعلته محبوبا ومقبولا بالإصلاح، كان صاحب رسالة دينية مع فهم واستيعاب لسلوك المجتمع احسن التعامل مع اشخاصه وعوائله في علاج القضايا الاجتماعية.

سماحة الشيخ حبيب الصعيليك رحمه الله واسكنه فسيح جنته فقدته الجبيل والاحساء، ندعو الله أن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.

‏مدرب بالكلية التقنية بالأحساء،
رئيس جمعية المنصورة للخدمات الاجتماعية والتنموية سابقا.