حكايا لن تكتب … سوالف الشِّيبان!
كثيرًا ما تنتابنا الدَّهشة عندما نسمع حكاياتِ الكفاحِ والمثابرة والنَّجاح من بعضِ الأقاربِ والأصدقاء، لكنهم للأسف لم يكتبوها ولن تقرأ. حكايات النَّاس - العاديين - فيها من الفائدة أكثر مما في كثيرٍ من الرِّوايات التي تملأ رفوفَ المكاتب، وبعض الحكايات عبرت عشراتِ السِّنين، طوى أصحابها صفحًا عن مشاركتها الآخرين والاستمتاع بها والاستفادة منها!
أعتقد أن كلَّ حيّ لديه رسالة وحكاية وتجربة، عليه روايتها لمن يستفيد منها، ولا يجب أن تكون كتابًا في المكاتب، أو لا تكون. فهناك قيمة عالية في كتابة التَّجارب الإنسانيَّة الشخصيَّة. كبار السنّ في العادة مليئونَ بالذِّكريات القديمة، وبحسب بعضِ الدِّراساتِ الأكاديميَّة الموثقة فإن كبارَ السنّ يتذكرون تفاصيلَ حياتهم وذكرياتهم بصورةٍ مذهلة، تصل إلى نسبة 94? من الدِّقة.
كشكولُ تجاربهم وحكاياتهم فيه الحلو والمرّ، إلا أن حكاياتهم غالبًا ما يزينها ويطرّزها تذكر الحلو من الأيَّام ونسيان المرّ منها، وبحق، جمالٌ لا نظيرَ له في ذكرياتهم في صحراءِ العمر حيث لطالما قالوا: سقى اللهُ أيَّامَ زمان، فالحياة في خريفِ العمرِ ليست كما هي في ربيعه!
أحد الدروس لي عندما أكون في مجلس كبير، أن استمتعَ بتاريخِ الماضين، وأتعلم كيف عاشوا، وما أنجزوا في حياتهم وتجاربهم وخبراتهم، رغم اختلاف الزَّمان وطرقِ المعاش، ولقد أوصى الإمامُ عليّ عليه السّلام ابنه الإمامَ الحسن عليه السَّلام عند انصرافه من صفِّين: ”أحي قلبكَ بالموعظة، وأمِته بالزهادة، وقوّه باليقين، ونوّره بالحكمة، وَذَلِّلْهُ بذكرِ الموت، وقرّره بالفناء وبصّره فجائعَ الدّنيا وحذّره صولةَ الدهر وفحشَ تقلّب الليالي والأيَّام، وأعرض عليه أخبارَ الماضين، وذكّره بما أصابَ مَن كان قبلكَ من الأوّلين، وسر في ديارهم وآثارهم، فانظر فيما فعلوا وعمّا انتقلوا، وأين حَلّوا ونزلوا“.
لعلنا لا نحنّ كثيرًا للماضي لأنه كان صعبًا، لكننا نحترم تلك الأيَّام والذِّكريات حينما نسمعها من الذين عاشوها، وأظنّ أنهم على حقّ حينما يترحمون على أيَّامهم وبساطتها، فهذه الأيَّام - الحاضرة - فيها من الزَّيف والتكلف الكثير!
خلاصة الفكرة: اسمعوا تجاربَ شيبانكم وعجائزكم واحكوها للأبناءِ والبنات، وهم سوف يقصونها لأحفادِكم، هكذا تُملأ خزَّانات الذِّكريات وتجارب الإنسان!