جيل اليوم … حرمناهم تجاربنا أم هم محمول ويرفس؟
أنا أغبط الكثيرَ من أبناءِ هذا الجيل على الرَّاحة التي هم فيها، مع أن كلَّ زمنٍ لا يخلو من متاعب. وفي ذاتِ الوقت ألومُ الآباءَ - وأنا واحدٌ منهم - بسبب حرمان هذا الجيل من التَّجارب الحياتيَّة، وإن كان فيها قساوة!
فرقٌ كبير بين أن تعيشَ فقيرًا معدمًا، وبين أن تعيشَ تجاربَ الفقراء في العمل باكرًا، والبحث عن مصدر دخل، وتدبر شؤون المدرسة والجامعة والعمل والزَّواج، معتمدًا أكثر على قدراتك الذاتيَّة، وهذا شأن أكثر الناجحينَ في الحياة، وإن كانوا في الأصل أغنياء، لكنهم عاشوا تجاربَ الفقراء، وبين أن يقوم والداك تقريبًا بكلِّ شيء.
”ألا وإن الشَّجرة البريَّة أصلب عودا، والرَّوائع الخضرة أرقّ جلودا، والنباتات البريَّة أقوى وقودا وأبطأ خمودا“. هذه كلماتٌ للإمام عليّ إبن أبي طالب عليه السَّلام اختصر فيها السَّبيل الأمثل للحياة، فكما أن كثرة الطراوةَ والماء لا ينفع الشجر، الدَّلال والترف لا ينفع البشر. الشَّخص الذي يتربى في الشَّدائد والمشاكل يكون كالشجرة البريَّة القويَّة، أما المدلّل فهو يشبه شجرةَ البستان طريَّة ضعيفة، جذورها غير ممتدةٍ بعيدا، ونسائم الرِّيح قد تطيح بها.
في هذه الخاطرة أشدّ على أيادي الآباءِ والأمَّهات، وأدعوهم ليشاركوا تجاربهم مع الأبناء ولا يحرِموهم - ذكورًا وإناثًا - من منافع التجارب، لأن الخيار الآخر قد يكون الضَّياع في دهاليز وأزقَّة الحياة. ومن المقطوع بصحته أن الآباء والأمهات، مهما كانت ثقافتهم، فإنَّ الحياةَ علمتهم دروسًا عمليَّة تضارع عشراتِ الكتب النظريَّة!
وعلى الأبناء - أيضًا - استيعاب الدروس والنظر في تحولات الأيام، وتغير طرق العيش، فلا يمكن أن يكون الأبناء دائمًا ”محمول ويرفس“، فمن ”يرفس“ ليس لديه رغبة في إكرام من يحمله والتعلم منه، بل غرضه أن يحصل على مركبٍ بالمجان. وفي هذا الجيل حقًّا من هو على هذه الشاكلة، يعتقد أن العالمَ مديون له بكل شيء دون أن يقدم شيئًا مقابل هذا الوجود!