آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

زوايا أسرية 17

محمد الخياط *

انعدم الفرح وضاعت الآمال

مُنع السؤال وأصبحت الحياة مشروطة

آهات لضمير المتكلم وحوار النفس

من يجبر الأرواح المنهكة.. ولمن أشكو؟

جعل من الاختلافات خلافاً وطوقاً يحاصرها به حتى بدت تهرب منها الكلمات الايجابية والابتسامة والاهتمام بظهرها وأبناها وعملها وصحتها واستقرارها وأمانها النفسي والطمأنينة، فأصبحت كثيرة الصمت والشرود الذهني والآهات المرعبة، عندما تلتقيها يُخبرك محياها وشحوب وجهها عن شدة الألم والحزن والهموم وشبه الضياع لشدة الضغوط والشعور بالانتكاس والانكسار لكثير من الآمال والأحلام التي أنهكت تلك الأنثى وجعلتها تتصارع مع نفسها لما يفعله الزوج بصمتٍ مريب دون أن يرف له طرف عين، أو يخضع لشعور الضمير مع علمه أنه يفتعل ذلك عمداً وهو يعلم أن أقسى الألم الشعور بالخذلان حين يقع من أحد الزوجين اتجاه الآخر كما أنه على يقين أنها تطمح للكثير من الاستقرار النفسي والأسري إلا أنه يمارس أقسى سلوك التجاهل ويصر على الغاء أي إمكانية لعودة الحياة الزوجية دون أن يحصل على مبتغاه حدده في ثلاثة مسارات عليها القبول بهم مجتمعة وأحلاهم أمر من الآخر،،،

المسار الأول: القبول بالتنازل عن وضع اسمها في عقد شراء المنزل على أن يكتب ورقة يقرُ فيها بالمبلغ المدفوع من قبلها هو دين فقط، ومبرره في ذلك حين موته قد تتزوج ويؤول ما يملكه لزوجها عوضاً عن أبنائه.

المسار الثاني: عدم محاسبته على أفعاله التي هي داخل وخارج بيت الزوجية وعدم إخبار العائلة والآخرين عما تتعرض له من عنفٍ وتنمرٍ ذا طابع غير أخلاقي الذي لم يتوقف عنه إلا ظاهرياً.

المسار الثالث: التوقف عن العمل نهائياً واغلاق ملف الوظيفة.

هذه الشروط والأفعال المشينة أججت الصراع وهما في السنة السابعة من زواجهما ولتمسكها بالحياة الزوجية وشعورها أنها أصبحت في عمر من الصعب العودة إلى بيت ابيها وهي في حالة انكسار وضعف بعد إن كانت تصر على الزواج منه، كما أنها أصبحت أم وتعمل في منصبٍ مرموقا إلا أن أفعال الزوج المستمرة جعل منها امرأة بائسة تخشى الحوار معه لوجود قناعة مسبقة بأن المناقشة والتفاهم أصبح عقيم ولن تصل إلى نتيجة، وهو يعتبر التسامح والعطاء والتنازل المالي عن جزء من راتبها والتغاضي عن الهفوات المستمرة وممارسة العنف اللفظي والتهديد بالطلاق والتوقف عن العمل لمعرفة الزوج المسبقة بإصرار الزوجة وخوفها على وظيفتها واسمها بين العائلة والمحيطين جعلها تعيش الانكسار النفسي الدائم، فما عساها أن تفعل وهي من أغلقت الدوائر على نفسها وأصبحت العلاقة الزوجية سامة وتفقدها طعم الحياة، وتحوم في أسئلة مخيفة بالنسبة لها وإلى كل امرأة لشعورهن بالضعف أو لعدم المساندة العائلية والمجتمعية المنصفة اتجاه المرأة.

أسئلة ضمير المتكلم

*أصبحت أم ولي أطفال.. ماذا لو طلقت؟

*ماذا أفعل لمكانتي المرموقة بين أهلي وأصحابي وزملاء العمل؟

* لي مدخول يفي بمصروفي وجزء من حاجات أبنائي، ماذا لو لم يكن عندي ذلك وبقيت في البيت؟

هذا الأسئلة وغيرها جعلها تشعر أنه وضعها في فخ للوقوع في الخلافات لسبب عدم مقدرته على تحجيم تطلعاتها المهنية والمعرفية أوترك وظيفتها دون أن يكون هناك سبب أو مبرر مقنع أخلاقي أو تقصير في ادارة شؤونه الشخصية والمنزلية والأبناء، لذلك كانت المعاناة كبيرة لغطرسته وعدوانية وإن كانت لفظية جارحة ففيها من الكبر والتكبر مما جعل حياتهما تعود إلى مرحلة الظلام وأيامهما أحلك من السواد.. صراخ وغياب عن المنزل وتصحر وجفاف عاطفي حتى مع الأبناء مما جعل ردة الفعل الأخير تنزع مقدرتها على التحمل واستسلمت إلى إنهاء حالة الدفء التي كانت تحلم بها كباقي نساء الدنيا حين كان الجميع يصر على خلاف توجهها وما ترتضيه من قبول هذا الزوج الذي لم تشعر يوماً أنه يسعى لإسعادها منذ ارتباطهما ولا للاستقرار وتكوين أسرة تكون سنداً لهما، تنموا بالمحبة والمودة والعطاء المشترك، هذا الحلم أصبح يتبدد مع الأيام لسلوكه غير السوي أفقدها الأمان الذي تحلم به كباقي نساء الدنيا، كانت ترتعش منها الفرائص وتذوب الكلمات مع البكاء والنحيب والدموع المنهمرة عند خروجها من منزلها

وهي تقول:

*هل أصبحت جزءاً من ممتلكاته يهددني ويطردني ويساومني على شيء لم أحاسبه عليه إلا بعد أن وضع شارطاً ومشروطاً عند كل خلاف!!!

*ألا يفتخر أني زوجته التي يمجدها القاصي والداني ويُثني عليها ويدعوا لها الكثيرون لخدماتها الإنسانية! كما أنني ابنت عمه التي حين وقف الآخرون رافضون كنت أصرُ على الزواج منه، وأنا أم لابنه الذي يحمل اسم أبيه وابنته القادمة للحياة وقد تعيش بعيداً عنه؟!

هذه الأفعال للتنصل من الارتباط الزوجي والحنين للرجوع للماضي المُشين غير الأخلاقي الذي لم تحاسبه عليه، وتكرار الخطأ بعد أن نُسي من أذهان الناس للغربة عن الوطن مدة زمنية وتغيير منطقة السكن والمنصب المهني الجديد، يعيشُ حالة انفصام نفسية بشخصيتين بعد أن فُتحت له الدنيا أبوابها وتوفر المال في يده فأصبح يحنُ للماضي البعيد والمسكوت عنه من قبل الجميع، فهو ابن عمها ووضعهم المادي دون المتوسط وينظر لها وكأنها من طبقة مخملية مختلفة وهي من أصرت على القبول بالزواج منه لمستواه العلمي وتطلعاته المستقبلية، وأتيح لهما فرصة الدراسة في الخارج فأكمل دراسة الدكتوراه وهو اليوم يشغل منصباً مرموقاً، لكن السلوك بقي ابن ذلك العصر وتلك المنطقة من التعصب والعنف وبعض من الماضي يمارسه وينكره ليعيش شخصية مزدوجة أمام العالم بوجه الرجل المثقف والمهني من الدرجة الأولى،،

وشخصيته الأخرى في أسرته يمارس أفعاله المشينة التي يندى لها الجبين من تهديد لاستقرار علاقته الزوجية والعائلية، فما عساها أن تفعل وإن كانت تتحمل جزءاً من المشكلة لسكوتها والقبول الذي أوصلها على حافة الهاوية لسلوكها الموصل لعملية هدم كاملة لبعثرة الأفكار التي تشكل سلوك عام للاستحواذ على مؤيدين ومفاهيم وضوابط في الوقت الذي هي من اهتمت بتجميد المسيرة السوداء من التصدع والانحراف والسقوط طوال الأعوام السابقة، فقد اهتمت بزوجها أثناء الغربة وأنجبت طفله الأول وكانت تخفي المخيف من تاريخهما السابق وأصبح نسياً منسيه، وهي مَن حفزت على استبدال موطن سكنهما وكونت علاقات جديدة إلا أنها فشلت بعد سنتهم السابعة أو أسقطها الزوج وحدّ من بقاء المسيرة على ماهي عليه.. من نمو متواصل وإن كانت تسير سير السلحفاء على الأرض.

إن هذا المستوى من التفكير لا ينم عن وجود ذهنية تعتمد أساليب وسلوك وقواعد تفكر خارج الصندوق إنما تتبع أساليب ورؤى ونشاط يُمكنها تجميد الخلافات والعنف والطلاق لفترة محدودة، وتبقى التساؤلات دون اجابة وافية يسودها الشك والريبة والحذر والإحساس النفسي بعدم عدالة مطالب الزوج والإيمان المطلق بأن أي تنازل خارج الضوابط العقلية لن تكون تنمية لبناء بيت الزوجية ومظاهر التأييد لهذه الاسئلة الباحثة عن اجابة منذ قرار الزواج...

* هل من الصحيح يساومني التنازل عن نصيبي في البيت الذي دفعت فيه برحابة صدر نصف المبلغ أو يزيد عن ذلك وأخي من ساهم في دفع مبلغ الأثاث!

* أيصح فعل ذلك وهو دائماً يتنصل من مصروفات البيت ويطلب أن ادفع من رصيدي ولا أعلم أين يصرف راتبه وهو أكثر من راتبي الشهري مع ملاحظة أني لم أحاسبه أو أمتنع عن العطاء، فهو لي ولأبنائي وإن كنت فيما سبق قبل أن يضع علامات الاستفهام والشروط والعودة لما هو عليه من سوء خلق أدفع دون شرط.

*هو ذو منصب مرموق وراتب عالٍ، حين يُطرح مجرد تساؤل أو طلب كسفر يتعذر بعدم جود المال لذلك أو يُحيل الأمر بأمر أن أدفع ويعرج بالقول مباشرة ويطلب مني انهاء العمل والبقاء في المنزل وهو من سينفق.

في خَضم الشعور بالألم والندم والحسرة للصدمة النفسية بزوجها يقف هو متصلباً أو صامتاً أو غائباً عن البيت أو رافضاً للحوار في الوقت الذي كانت تأمل منه الوقوف ضد طلبها «الانفصال» لكنه مع الأسف الشديد لم يحرك ساكناً وكأن الأمر منتهي عنده ولا يطلب إيجاد حل مغاير أو معاكس لما تم طرحه.

على حافة الهاوية

هذا التصور حفز الزوجة على المضي في طلب إنهاء العلاقة الزوجية بعد أن تم تجاوز كل الحدود وما كان مخفياً ويحدث بينهما من صراع وخلاف، رغم تمسكها به طيلة الاعوام السبعة الماضية مراعية في ذلك الارتباط الزوجي والأبناء والخوف من كلام الناس وصورتها المجتمعية والمهنية والارتباط النَسبي وتفرق العائلة علماً أنها كانت قابلة بحياتها لولا عودة الزوج لسوء الخلق وممارسات بعض الأمور المشينة غير الأخلاقية والعنف والتنمر المتعمد وطلب التنازل عن نصيبها في البيت وظهور أمر ابنه الذي تم الإشارة له في الموضوع السابق في ذات الصحيفة «زوايا اسرية16» كانت قابلة بحياتها على أن لا يشار لها بالمطلقة فهذا العنوان يملؤها كما نساء الدنيا رعباً،،

أصوات النشاز

يُغنون خارج السرب بكلمات معتقدين أنهم يفعلون الصواب وأنى لهم من الحكمة والعلم والمعرفة ما يفي بالحكم على الأحداث وإن كانت الأمور غامضة في نفسها وخارج تخصصهم مسببين في ذلك الضيق والاستياء والغضب للجميع وهم لا يسمعون في ذلك إلا صوتهم معتقدين أن نصحهم وتوجيههم هو الصواب، بل حكمهم يوافق العقل والشرع الأمر الذي أوصل الكثير من العلاقات الزوجية إلى الانهيار وبعضها إلى الطلاق لنقص المسترشدين أنفسهم حين يكون استشارتهم من جهات غير متخصصة أو الإبقاء على التصلب في الرأي من قبل أحد الزوجين، وعلى الجانب الآخر هناك من يقول أن هذا الكلام فيه الكثير من المبالغة إلا أن الواقع بالأرقام والتقارير السنوية الصادرة من وزارة العدل تقول أن نسبة الطلاق كبيرة وفي حالة ازدياد وفي تقرير الهيئة العامة للإحصاء في السعودية عن ارتفاع معدلات الطلاق في عام 2020م بنسبة 12,7مقارنة بالعام الذي سبقة 2019م واجمالي صكوك الطلاق في المملكة بلغ 57,595 صك سجلت أغلبها في الشهور الأخيرة من العام الماضي في المقابل عدد عقود الزواج لذات العام بلغ 150,117عقداً.

لذلك نؤيد ونشد على يد الداعين لوجود مراكز متخصصة للتثقيف وتصحيح المفاهيم لمسارات العلاقات الأسرية «الزوجية والتربوية» وعمل دراسات متخصصة مع الأخذ بعين الاعتبار أن مستوى العلم والتعليم والمعرفة أصبح متاحاً ومرتفعا جداً، فما الأسباب لنشوء الخلافات الزوجية التي ظهرت على السطح وكان الطلاق أهم عناوينها المكشوفة التي يمكننا التنويه لها في هذا المساحة المتاحة

الخلافات الزوجية

ليس الخلاف أو الاختلاف هو ظاهرة أحادية الجانب تصدر من الرجل دون المرأة وإن كان في الشائع العام تُوجه السهام في الغالب للتعامل الذكوري لوجود أفكار وتصورات مسبقة لقوة الرجل الجسدية والمالية والمساندة المجتمعية والتقاليد والأعراف وغالباً تكون العصمة في يده وباسم الدين وإمكانية الرجل في التعدد وعلى الطرف الثاني «المرأة» شعورها بالغبن والضعف والخوف أن يطلق عليها اسم مطلقة أو توصم بتلك الصفة فتقبل بما تؤول حياتها إلى مدى زمن قريب كان هذا الاعتقاد السائد اتجاه المرأة إلى أن وصل بها الحال في الشعور بعدم امكانية استمرار حياتها مع وجود النقص في المفهوم المدرك، فعاشت الصراع على مدى عقود تُناضل في تغيير المفهوم اتجاهها كأنثى اولاً ولحياتها الزوجية ثانياً، فنشأ عن ذلك مشاعٌر سلبية لكثرة الصراع والاحتكاك والتصادم حتى أصبح الخلاف يزعزع ويفقد الزوجين المشاعر المحسوسة السلبية منها والايجابية، فأصبحت تشكل مصدر قلق للمسؤولين وللمهتمين بالشأن الأسري والاجتماعي على حدِ سواء.

الخلافات السامة ومعالجاتها الجلية تتمظهر في معرفتها ب..

1- المشاعر العدائية المتبادلة الخفية منها والمحسوسة سواء كانت لفظية أو جسدية ويترتب على ذلك الخلاف الظاهر والملاحظ نشوء أعراض لم يتم التعامل معها بشكل علمي فتَولد عن ذلك وجود مستوى من الأمراض الاجتماعية السلوكية النفسية تُشكل عامل هدم العلاقة الزوجية أو استقرارها

2- تدخل الأهل بشكل مباشر وغير مباشر في حياة أبنائهم فتتعدد الآراء والاجتهادات عند أي ازمة معتقدين أنهم قادرون على حل كل خلاف او اختلاف بمفردهم، وهذا يجافي الصواب في جزئية معينة، نعم يمكن حل ذلك بالحوار أو تنازل أحدهما لأغلاق الملف بدخول الحكماء مصداقاً للآية:

﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا 35سورة النساء

إلا أننا أصبحنا في عصر وظروف يمكننا قراءة الخلاف من زوايا أخرى نتج عنها:

أ- دراسات غير تقليدية تثبت أن هناك من الحالات المرضية غير التقليدية التي تزامنت مع حالة الانفتاح الحضاري ووجود قنوات التواصل الاجتماعي المستخدمة بطرق سلبية والتي بدت تُقوض العلاقات الأسرية والزوجية، بينما سجل الواقع صعوبات الحياة ودخول المرأة معترك جميع المجالات العلمية والمهنية وتَغيبها عن البيت لفترات طويلة ووجود سيولة المال بالإضافة لكثرة الأمراض السلوكية غير الأخلاقية وانعدام التواصل والحوار الإيجابي أصبح الصراع والخلاف الزوجي ليس محصوراً كما كان في الماضي تحت دائرة مغلقة ينتهي بهم المسار إلى الطلاق وتوجه أصابع الاتهام إلى أحدهما مجانبة أو مجافية للواقع.

ب- هناك من المؤثرات الايجابية التي أصبحت تَدرسُ القضايا للخلافات الزوجية في المراكز والجهات المتخصصة بعد تحليلٍ وتفكيك عناصرها ومعرفة منشأها آخذين بعين الاعتبار الأمور السلوكية والأمراض النفسية والمزمنة الناشئة من عوامل الوراثة والبيئية الحاضنة والمستوى العلمي والاجتماعي والمالي، بالإضافة لذلك قد يكون منشأ الخلاف نتيجة لصراع مصالح أو أمراض عضوية مزمنة أو نفسية كالقلق وثُنائي القطب والاكتئاب والوسواس القهري وغيرها من الأمراض النفسية، أو لعدم التجانس الفكري والتوافق الزوجي السلوكي القيمي، وفي بعض الأحيان يصلون إلى الطلاق والمسبب أفعال أو افتعال من خارج دائرتهما العائلية، هذا ما يفرز الإحساس بعدم الشعور بالأمان الداخلي فتتوقف مسيرة حياتهما.

3- الأمان والاستقرار النفسي حين يُفقَد الشعور بالأمان يُشكل أهم الأخطار على الحياة الزوجية، وحين يفتقد الزوجان قيمة الاحترام والتواصل الايجابي والحوار والتسامح يتسلل الخوف من المجهول بعدم الاستقرار ويقف أمام استمرار الحياة الكريمة التي ينشدها الزوجان المتنازعان فيفتقدان الأمان المبرر وغير المبرر والإحساس بالانهيار فتنعدم كلمات المحبة والألفة والشعور الروحي والوجداني الذي يمثل عند المرأة على وجه الخصوص أجمل وأقوى العبارات التي تنعكس على حياتهما المستقبلية.

4- العنف والتنمر الزوجي يبدأ بالتوتر والصراع وشيطنة الكلمات بلا هَوادة وفتح الملفات المغلقة من الماضي لتحل كلمة الأنا المتضخمة فيغيب الوعي والضمير الوجداني فتنعدم الرؤية والبصيرة لإمكانية التفاهم والحوار فيصلون إلى مرحلة التوتر والصراع والصراخ الذي يبدأ ويُشكل العنف اللفظي للمستوى الأول، وأحيانا الصمت السلبي الموصل للمرحلة الثانية، وهي حالة الانفجار والعنف الجسدي وهو الأخطر تهديداً لمعنى الحياة وجودتها، وهو المؤسس للشعور السام والمزعج بعدم الرغبة في استمرارية الحياة الزوجية مع العلم أن جميع الديانات والأعراف والقوانين الوضعية تُجرم العنف بجميع أشكاله على البشرية وحتى على الحيوانات والبيئية خصوصاً اتجاه المرأة والطفل، ويُعد ذلك من النقاط الايجابية التي ساهمت ودافعت عنها الحكومات واتخذت تدابير قانونية ملموسة اتجاه المعتدي حسب مستوى الجرم كما عملت على تأهيل الزوجة نفسياً لمواجهة الصدمات وتوعيتها بعدم قبول تكرار العنف وتأمين ذلك بتحويلهما «الزوجين» لجهات نفسية اجتماعية في حالة كان طلب الصلح أحد الأبواب الممكنة مع وجود شروط تَأمن المرأة فيها: -

أ‌ - عدم السماح نهائياً لتكرار العنف من أي شخص كان ولن تستمر في حياتها الزوجية دون أن يكون هناك شعور بالأمان والاحترام عند القرار باستمرار علا قتها الزوجية

ب‌ - حق التعبير عن الرأي والمشاركة فيما يتعلق بحياتهما الزوجية

ت‌ - يتحمل كلا الزوجين أعباء ومسؤولية الأسرة

ث‌ - ليس للزوج الحق في أخد أموال الزوجة دون الإذن منها أو دفع مبالغ مشروطة للاستمرار في العمل الوظيفي أو حرمانها من المشاركة والمساهمة في إدارة شأنها الخاص وشؤون الأسرة

ج‌ - لها الحق في عدم قبول العودة للحياة الزوجية عند ما تكون الحياة مستحيلة لتكرار العنف والتنمر المستمر وغير المنضبط مع عدم وجود امكانية علاج ذلك بالرفض من قبل الزوج - مع ملاحظة شديدة الأهمية في هذا الجانب تأخذها بعين الاعتبار أن لكل حالة دراسة خاصة - يتم دراستها من جهات ذات تخصص ويبقى القرار الأول والأخير للزوجة، خلافاً لذلك يمكنها اللجوء إلى وزارة الموارد البشرة والتنمية الاجتماعية - وبرنامج الأمان الاسري الوطني والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان ومراكز الإرشاد الأسري ودور الحماية والشرطة.

5- العلاقة الخاصة الحميمية ”الجنس“ حالة فطرية تُقاد وتُوجه ضمن نظام انساني لصيانة الترابط الزوجي من الأخطار السلوكية وعدم ازاحة النقاب والتصريح لحالة اشباع الجوع الجنسي عند الرجل والامتلاء العاطفي للمرأة الذي يشعرها بالدفء والحنان وعند الانتفاء أو الحرمان أو الملل والنفور منه يفقدها العاطفة وإن لم يكن هناك سبب أو مبرر فيشكل حالة من عدم الاستقرار لنسق الحياة الزوجية والنفسية والمُثل والأخلاق التي تدعوا لاستقامة الموازين التي تقي الإنسان من الانحراف، وتؤسس لحياة كريمة لاستمرار الكائن البشري بتكاثر وعمارة الحياة بوجود عنصري المودة والرحمة قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ 21سورة الروم

وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً سورةالفرقان74

6- النقد المستمر والاتهام الدائم والمتبادل يعد أحد أخطر وأكثر المشكلات الزوجية شيوعاً، وتزداد كلما وجه أحدهما سهام اتجاه الآخر متهم اياه بالنقص والتقصير والقصور في السعي الجاد لبناء السعادة والعبث المُولد لفوضة التصحر والمشاعر مما يجعل الزوجين يقفون في خطين سالبين متنافرين بين صمت اللامعقول أو الاصرار من قبل أحدهما على موت الحياة بوعود وكلمات تُنافي الواقع وتتلاعب بالمشاعر فيوصلهما إلى ما هو أبعد من ذلك.

7- البرود العاطفي يسبب ضياع أو نقص أو انعدام عبارات.. يمكننا أن نعبر عنها بالبخل في التعبير عن الاعجاب والثناء والمشاعر واللمسات الرومانسية والتواصل العاطفي والجسدي بين الزوجين بعد مرور السنوات الأولى من الزواج ما يجعل الخلاف قائما ومنشأ للتمرد، فيكون الثمن غال.

8- قنوات التواصل الاجتماعي دخول عنصر السوشل ميديا والسينما حديثا والوظيفة ووجود المال والسيارة بيد المرأة ساهم بشكل كبير في نقص فترات الحوار الزوجي والتواصل العاطفي والأسري المشترك في طرح الهموم والمسؤوليات والتوجهات والرغبات فأصبح كل فرد يعيش ضمن دائرة اهتمامه الخاص فيقضي الزوجان وأفراد الأسرة أوقات طويلة كلاً مشغولاً بما يهوى، مما انعكس ذلك كثيراً على الحياة المشتركة وأسس خلافات لا حدود لها سلوكية أخلاقية اجتماعية نفسية اقتصادية فانعكس ذلك على تربية الأبناء، وعند افاقة البعض مما هو فيه لوجود عنصر الخطر يوجه أصابع العتاب للآخر مبررٌ نفسه وهو يعلم أن الافاقة كانت متأخرة وهو أحد أسبابها.

9- الحوار.. ندرك جميعاً بالتفكير المستنير أهمية الحوار على جميع المستويات الإنسانية، وهو من أجمل الفنون والمهارات التي يمكن للإنسان المُتقن له أن يُعيد به معناً للحياة أو يعدمها، وهو تجسيد لتفكير مجرد أو محسوس يتمثل في مخرجات كلامية تُتَوج بممارسات تُعطي الانسان روعة الحياة وعمقها، وحين انعدام قيم الحوار الزوجي لوجود عوائق وتقاليد وأعراف مجتمعية تُجرم المرأة أكثر وتَسلط الجانب الذكوري بنسبة كبيرة في عالمنا العربي والاسلامي، ونقص في مفهوم الحياة الزوجية عند كلٍ من الزوجين ومعرفة حقوق وواجبات كلٍ منهما، هناك من يعلق الجرس أو يخبرهما حان وقت الاستشارة الزوجية، ومن نافلة القول أولاً وإلى ما لا نهاية الحفاظ على سرية الخلاف بينهما والهدوء والسكينة ويبقى الحوار والمناقشات يُنظر لها نظرة موضوعية دون الحكم على الآخر والاصرار بالانفتاح على المختص دون أن يكون هناك أحكام مسبقة تعبث في النفوس المجروحة.

10- الاختلاف على تربية الأبناء..لاشك أن الأسرة هي النواة الأولى والمحضن الأساسي لتربية الأبناء، فالأبوين يتحملان المسؤولية الكاملة في هذه التنشئة لا سيما في السنوات الأولى، فمتى ما كانت الأسرة متماسكة ويعم فيها روح الحوار والتفاهم والاحترام والألفة والمحبة والأخلاق والقيم الفاضلة مع وجود عامل مشترك بين الأبوين في تعزيز تلك القيم بمهارة وتفاهم على آلية ومنهج تربوي يُسهم في تربية سليمة، ومتى ما كانت الأسرة مفككة ذات طابع عبثي دون مبادئ أخلاقية سينعكس على الأبناء وسيشربون من ذلك الكأس الذي سيكون عاملاً خلافاً للعلاقة الزوجية.

11- الغيرة.. هي أمرٌ مشروع ومذمومٌ أولاً

”روي عن امير المؤمنين علي ابن ابي طالب : غيرة المرأة كفر وغيرة الرجل إيمان“ نهج البلاغة حكمة 124 ما لم يخرج عن الحدود الأخلاقية وليس هناك شك أن التمسك بالقيم هو المطلوب دون أن يمنحون الخيال يرسمُ أحداثاً ويبني على بعض الممارسات المجهولة تصورات لأمور وإن كانت بعيدة عن الواقع والاستدلال ذات الطابع الدرامي أو نقلي يجعل من العابثين يوجهون أصابع الاتهام إلى بعضهم، وهذا الأمر ليس مقتصراً على الرجل فقط بل المرأة في كثير من الأحيان تكون عندها النسبة أعلى مع علمنا أن هذا الأمر لا يمكن التخلص منه نهائيا، إنما يَحده بناءً على وجود الثقة المتبادلة والعشرة.

12- المخدرات.. يؤسفني القول لازال هناك بعض النساء لا تدرك خطر القبول بالزواج من شخص مدمن للمخدرات أياً كان نوعها، فأثارها السلبية كبيرة على الصحة العقلية والنفسية والجسدية والسلوكية بالإضافة إلى تأثيرها على الأبناء والحياة العامة والمجتمع، وإن المدمنين يعيشون في الغالب حالة من الاضطراب السلوكي يدفعهم لارتكاب جرائم غير محسوبة العواقب والخسائر سواء كان بوعي أو عدمه فينعكس ذلك على الاستقرار الأسري والحياة الزوجية لفقد الشعور بالأمان الموصل للخلافات الدائمة فتكون النتائج كارثية.

ولنا بداية أخرى

تختلف مراحل الأزمات باختلاف طبيعتها، فبعضها يمر بمراحل قبل ظهورها على السطح، وهناك خلافات لم تصل إلى مستوى ذلك وأن كانت الحلول ممكنة لوجود الوعي والقبول بالحوار والمناقشة عند البعض لمستوى الوعي الأخلاقي والعلمي لدى الزوجين، وآخرين هم على حافة الهاوية لعدم سعيهم والقبول بالتغاضي وضبط النفس والمشاعر السلبية والامعان في العداوة والخصومة والكراهية وعدم تقبل الشريك.

إيماناً منا أن بعض العلاقات الزوجية تمرُ بمرحلة تصدعات تحتاج التفكير والانفتاح والعلم والأخلاق وانهاء حالة التجمد والتبلد والبحث عن الحلول الممكنة لاستمرار الحياة الزوجية بدفء المشاعر والتوجيه والصبر واللجوء للجهات المتخصصة تجنباً لاستمرار الانشقاق في النفوس دون الوصول لمرحلة ألا عودة وهي الطلاق الذي كان بداية العتاب ولوم كلاً للآخر وتحميل الفشل للأسباب المبررة وغير مبررة المسببة للعنف وسوء الخلق والممارسات المحزنة والموصلة للاكتئاب والاضطرابات المشوهة لمعنى الترابط الزوجي.

هنا نشير لرأب الصدع وعدم الامعان في جعل الجرح ينزف والتخلص من كل ما يفسد الترابط الزوجي بالتوجه والاهتمام وصدق النية الصافية وتجنب الخوف غير المبرر والبحث فيما يعزز الشعور بالأمن الداخلي، وأن دولاب الحياة يجب أن يسير دون توقف للحصول على الكرمة المنشودة

لقولة تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا 70سورة الاسراء

فلا يحق لك ولا أحد أيًا كان جنسه ومكانته للاستنقاص من انسانيتك وكرامتك مع ضرورة اللجوء للجهات المتخصصة كالمراكز الأسرية على أن تكون أمينة على السر ولها من الامكانيات ما يجعل كل ما حدث ويحدث من الماضي لرفع عن كاهل الزوجين المعاناة في أبعادها المختلفة الدائرة لحياتهم اليومية والمستقبلية

تنويه عزيزي القارئ نحن هنا ومن خلال زوايا اسرية لا نضع المعجزات ولن يكون ذلك تشخيص للعلاج إنما هي دراما صنعت لتكون عنوان واضاءة لفكرك تدرك من خلالها أهمية بناء الوعي والحوار والمناقشة والسعي للجهات المتخصصة في حل ما يعتريك أثناء مسيرتك الحياتية والزوجية وعليك أنت دون الآخرين أن تتحمل عبء نفسك بجرأة تنشد فيها الاستقرار والتوقف عن كل ما يسئ لك أولاً ومن هم في دائرتك الأولى.

كاتب سعودي ومدرب في شؤون الأسرة