أمل الزَّارع!
لديَّ صديق في العقدِ السَّابع من عمره، أزوره على فتراتٍ متباعدة في مزرعته الصَّغيرة، يعمل فيها ويساعده عاملان. زرته صباحَ اليوم، وقد وجدت مرضَ السكري أضعفه كثيرًا، ومع ذلك كانت شكواه من حرارةِ فصلِ الصَّيف أعظمَ من شكواه من المرض. يشتكي من شدَّة الحرارة وموت كثير من الأشجار المثمرة في مزرعته، ومن قلَّة العائد الماديّ من تلك المزرعة الصغيرة!
إن أبقانا الله، سوف أزوره عندما يعتدل الطَّقس، ويا للعجب، حينئذٍ ينسى كل تلك المعاناة، ويقول لي: تعالَ يا رجل وانظر ماذا زرعت! وفعلًا أراه يزرع أشجارًا أكثرَ مما مات في فصلِ الصَّيف، وعندما أستغرب من فعله يقول لي: أنتَ لستَ مزارع. الله وحده يعلم كيف تتكرَّر وتتغيَّر هذه المأساويَّة بين عشيَّةٍ وضحاها!
خلاصة الفكرة: كلنا زرّاع في الحياة وآملُ أن يبثَّ اللهُ في أرواحنا الكثيرَ من الأمل الذي بثَّه في زارعِ الأشجار، به نصارعُ مصاعبَ الحياةِ ومتاعبها وأن تكون آمالنا أعظمَ من آلامنا. من منَّا لا يعرف شخصًا طرحه المرض على فراش، وآخر يعوزه المال، وثالث أقصته المقاديرُ عن وطنه واغتربَ عن أحبابه؟ وكلهم لولا أمل الزَّارع الذي يبعثه الله في أرواحهم، ويقسِم به حياتهم إلى شطرٍ من أمل وشطرٍ من ألم، لماتوا في طرفةِ عين.
ألم تروا كيف إذًا حرَّم الله علينا أن نفقدَ هذا الأمل، أن ننتحر أو تدخل الأفكارُ الانتحاريَّة حياتنا؟ وبحمد الله هذه الأفعال والأفكار السوداويَّة، تكاد لا توجد في المسلمين. إنما بدلًا من ذلك أوصانا بمعرفة حقيقةِ الحياة ”فما أقربَ الرَّاحةَ من التعب، والبؤسَ من النَّعيم، وما شرٌّ بشر بعده الجنَّة، وما خيرٌ بخير بعده النَّار، وكلّ نعيمٍ دون الجنَّة محقور، وكلّ بلاءٍ دون النَّارِ عافية“.
وهذا الله يدعونا لنكونَ سفراء له في الأرض نبث الأملَ ونزرعه بين من يحتاجه من النَّاس كيفما استطعنا ”أوحى الله عزَّ وجلّ إلى داود عليه السَّلام إنَّ العبدَ من عبادي ليأتيني بالحسنة فأدخله الجنَّة، قال: يا ربّ وما تلك الحسنة؟ قال: يفرج عن المؤمن كربته ولو بتمرة، قال: فقال داود عليه السَّلام حقّ لمن عرفكَ أن لا يقطعَ رجاءه منك“.