آخر تحديث: 21 / 12 / 2024م - 5:28 م

لص الفقراء

وسيمة عبيدي * صحيفة اليوم

نواصل هذا الأسبوع عرض المعضلات الأخلاقية التي من الممكن أن نواجه مواقف شبيهة لها، ونحاول اختبار قيمنا ومبادئنا والتفكير خارج الصندوق لرفع مستوى إدراكنا للأمور وفهمنا للمواقف ومشاعرنا وأحاسيسنا تجاهها.

كثيرة هي قصص الأبطال الخارقين التي تربينا عليها وكنا نقرؤها أو نشاهدها على التلفاز. من السندباد إلى طرزان، وهيركيليز، مرورًا بماوكلي فتى الأدغال ووصولًا إلى روبن هود.

في هذا المقال سنستعرض قصة روبن هود، ولمَن لا يعرف روبن هود، فهو شخصية من الفلكلور الإنجليزي وهي تمثل فارسًا، شجاعًا، طائشًا وخارجًا عن القانون. عاش في العصور الوسطى، وكان يتمتع ببراعة مذهلة في رمي السهام. سكن غابات شيروود في محافظة نوتنغهامشاير هو وعصابته المسماة Merry Men ومعناها الرجال السعداء. اشتهر بشجاعته ومساعدته للمحتاجين ومناصرته للمظلومين والمضطهدين. اختلف الكثيرون على كون شخصية روبن هود حقيقية أم من وحي الخيال. وتباينت الروايات عن حقيقة روبن هود، فبعضها صوَّرته على أنه رجل شريف من منطقة روكسلي، سلبه الملك جون أمواله، ممتلكاته وأراضيه. وظهر في بعضها كبطل من أفراد الشعب هدفه محاربة الفساد والاضطهاد، وفي روايات أخرى كان مجرد إنسان سيئ السمعة متهور ومتغطرس يقود مجموعة من المتمردين المحبين لسفك الدماء.

لكن الحقيقة، وما يهمنا في قصة روبن هو كونه لص الفقراء فقد عُرف عنه سرقته أموال الأغنياء ليطعم الفقراء، وهنا تكمن مشكلتنا الأخلاقية لهذا الأسبوع. عشنا طفولتنا ونحن نشاهد الرسوم المتحركة المختلفة التي تصوّر البطل روبن هود نصير الضعفاء. حتى الرسوم المتحركة لم تُخفِ حقيقة أنه كان يسرق أموال الأغنياء ليعطيها للفقراء. الآن لتضع نفسك مكان هذه الشخصية الشهيرة ولتتخيل أنك ترى أغنياء يعيشون حياة مترفة وأنت تعلم أن بعضهم كافح ليبني ثروته، لكن بعضهم الآخر جمع كل ذلك المال بالتحايل في التجارة والاحتكار ورفع الأسعار بجشع متجردًا من أي رحمة لأبناء وطنه الكادحين ذوي الدخل المحدود أو الضعيف. وفي المقابل ترى حولك الكثير من الأسر الفقيرة بدون عائل يعيلهم وبدون أي مصدر دخل يعتاشون عليه، والذين إن لم تساعدهم سيموتون حتمًا من الجوع. وللأسف، أنت أيضًا فقير، وبالكاد تجد قوت يومك، وقد حاولت التحدث للأغنياء ليساعدوا الفقراء بالحسنى لكن بدون جدوى. ماذا ستفعل؟ هل ستسرق من الأغنياء لتطعم الفقراء؟

ربما يكون جوابك هو الرفض خوفًا من أن تُمسك وتُسجن. إذن ماذا إذا قمنا ببعض التعديل في القصة، وأصبحت لديك فرصة أن تأخذ من أموال الأغنياء بدون أن تقع تحت أي مساءلة قانونية وبدون أن يُمسك ضدك أي دليل لتعطيها للفقراء، ماذا ستفعل؟ هل ستسرق الأموال على الرغم من أن السرقة حرام وفعل ينافي القيم والأخلاق التي تربيت عليها، فقط لتنقذ أرواحًا خُلقت على هامش الحياة؛ ليمتحن الله بوجودها أخلاق آخرين، أم ستفضل أن تغض البصر عن كل ذلك وتراهم يموتون أمامك بدون أن يرف لك جفن، وأنت وضميرك مرتاحان؛ لأنك لم تخالف مبادئك وأخلاقك؟

دائمًا ما تكون الإجابة عن المعضلات الأخلاقية صعبة أو مستحيلة؛ لأنه مثلما ذكرنا سابقًا اختيار أي خيار سيترتب عليه حتمًا انتهاك آخر، والتنازل عن بعض القيم والمبادئ.