آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

لا تكثر من الشكوى فيأتيك الهم

سوزان آل حمود *

رُبَاهُ إِنَّ اَلرُّوح ترجو رَحْمَة، تاهَ الطريق فيا إلهي دَلَّهُ، ضاقت بها اَلدُّنْيَا وبابُك مُشَرِّع، إن لم تكن أنتَ اَلْمُغِيث فمَن لها؟

هل فكرت يَوْمًا بمقصود هذه الجملة «غائبي حاضر»؟

ربما عزيزي القارئ عندما تقرأ هذه الجملة ستتخيل أمام عينيك شَخْصًا ما هو موجوداً في حضوره ولكنه غَائِبًا عن تلك الصفات التي أحببتها فيه أو أردته بها.

أو ربما ستتخيل نفسك في هذه الجملة كل وَاحِدًا منا مر بهذه الجملة في الشخصية المفضلة لديه أو في ذاته نفسها.

غائبي حاضر، هي جملة سأجعلك تتوقف للحظات عندها. فأنت غالباً ما تكون أنت نفسك الغائب الحاضر ربما لذاتك وربما بالنسبة لشخص آخر.

نعم لا تستغرب فهذه الحقيقة، ولكن عليك أن تستوعب أننا لا نستطيع الجزم أن الغياب دَائِمًا متعمداً لا سيما إذا ما كنت أنت ذلك الغائب. فهناك سبب لكل شيء كما في قانون نيوتن لكل قوة فعل قوة رد فعل.

فغيابك عن نفسك وذاتك هو أشبه بضياعك أن تكون جَسَدًا يتحرك دون أن تعيش أي نوع من الشعور أشبه باللامبالاة، أن يصبح كل ما عهدته عادياً وعادياً جِدًّا، أن يصيبك البرود في تصرفاتك في ردك وأفعالك وهذا كله الذي تمر به ما هو إلا ردة فعل عن الصراعات والمواجهات الذي خضتها في هذه الحياة.

نعم كل ما تمر به يترك أثرا في نفسك يجعلك تنطفئ تدريجياً ويجعلك تشعر بالفراغ الداخلي والغياب. فكلما كانت ضربات الحياة قاسية كلما تغير من خصالنا شيء كلما أصبحنا بالغياب والانطفاء التدريجي.

وكذلك ينطبق على من غاب في حياتنا وهو حاضر، كل ما كان غيابك عن نفسك عميقاً كل ما ظهرت تغيرات في شخصيتك ستكون أشبه بشيء فارغ. فارغاً تماماً ستبدو لك الأحاديث التي تسمعها سخيفه لا تلفت انتباهك سيكون كل شيء باهت اللون.

سينعتك الجميع بالبارد في تصرفاتك وفي حضورك أو لن تعتد تهتم أو غير مبالي وبالتالي من أحبوك يفتقدوك وستكون بالنسبة لهم غائباً حاضر.

ولكن أتعلم ما هو المهم هنا؟؟؟؟

هو أنك ستعلم من سيتمسك بك رغم ما أنت به من فراغ من سيكون معك من سيعيدك من ضياعك الذي أنت عليه.

من سيدعو الله كثيراً لأجلك لتعود كما كنت سابقاً لأن في هذه المواقف، عندما يدخل الشخص في حالة الغياب يدرك من كان وجوده حقيقي في حياته ومن سيفلت يده في أول رده فعل له.

لا تقلق ستكون مرحلة مؤقتة، أعدك وهذه المراحل لا بد لأي شخص أن يمر بها كمرحلة تفريغ ما قد تحمله من الضيق والهم والمحن ولكن المهم، كيف ستتعلم كيف ستساعد نفسك قبل أن تطلب المساعدة من غيرك، كيف ستتغلب على الضياع والشتات الذي أنت به قبل أن تغرق عميقاً ولا تجد مفر.

إن لم تساعد نفسك أولا سيكون لا معنى من وجود الأشخاص حولك إن لم تكن أنت أول من يريد أن تجد نفسك وذاتك فستغرق كثيراً.

عزيزي القارئ أن تدخل في مثل هذا الشتات لأمر طبيعي ولكن ما هو المغزى من هذا كله؟

البعض سيقول بسبب كثرة التفكير، والبعض الآخر سيقول من قلة الإيمان لا ننكر أننا سنتلقى بعض الكلمات التي تكون قاسية والسبب أن أشخاصها لا يستطيعون صياغتها بشكل منمق لإيصالها لك.

ولكن الأهم من هذا عليك أن تعرف أن ما ضاقت إلا لتُفرج وما أنت عليه أو وصلت إليه في حالك ما هو إلا اختبار لصبرك.

ولا تنسى أن ما وضعك الله في ضيق إلا لتعود إليه، الله الذي وضعك في هذا الاختبار حشاه أن يتركك ولكن عليك بالثقة به أولا فهو لن يتركك أن كنت تؤمن فيه بجميع جوارحك.

كثيراً منا عندما يشعر بضياع أو بضيق يخاطب الله لماذا أنا يارب ما الذي قد فعلته لأشعر بهذا الشعور بهذا الهم لماذا أنا؟

ولكن، لماذا لا نفكر أن هذا كله اختبار من الله لصبرنا لقوة تحملنا ف الله حشاه أن يختبر الإنسان أو يعطيه أكثر من طاقته.

لماذا لا نقول إننا غفلنا قليلا عن ذكر الله وهذا الذي وصلنا له ما هو إلا تذكير لنا لنعود إلى طريق الله لنصحوا من غفلتنا التي نحن بها.

لا ننكر جميعنا أننا إذا شعرنا بكل شعور سيئ، تضرعنا وبكينا واشتكينا إلى الله لأن جميعنا نعلم أن لا أحد يخرجنا من كل الذي نحن به إلا الله هو الذي سيدلنا لطريق إيجاد ذاتنا.

وهو الذي سيرزقك ب أولئك الذين ستجدهم بانتظارك لتعود إليهم من شتاتك وضياعك.

فقط ثق بربك وادعوه وعد إليه في كل وقتك في ضعفك وقوتك ثم ثق بنفسك ثم بالأشخاص الذين وجدتهم معك في ضيقك لأنهم الحقيقة الوحيدة التي ستبقى معك.

ختامًا،،

إن القلوب لتهفو إلى بارئها في كل لحظة، تنطق بحمد المنعم تعالى، على جميل نعمائه، وعظيم عطاياه، وكريم تأييده، يقول تعالى: ﴿وأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وبَاطِنَةً «لقمان: 20»،

تُعلمك الشدائد ذات يومٍ بأن الله ذو عوض جميل، فَطَمْنَ قلبك الموجوع حزناً، سيعطيك الكريم من الجزيل، وتعلم كيف تُمارس عبادة الحمد، أن تطلع على تفاصيل حياتك راضيًا قانعًا بما تملك، مُمْتَنًّا لما وهبك الله، لأنك تملك الكثير.. لكن ينقُصك التبصر.