آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 8:43 ص

لا تبع كتبك في أفغانستان

يوسف أحمد الحسن *

قد لا تكون مهنة بيع الكتب في بعض بلدان العالم الثالث هي أفضل عمل يقوم به المرء، ذلك لكونها مهنة محفوفة بالمخاطر غالبا اعتمادا على نوعية الكتب المعروضة للبيع. وهكذا كان مع بائع الكتب في كابول «سلطان خان» الذي عاصر حكومات متعددة ومتنوعة من الحكم الملكي إلى الجمهوري إلى الاحتلال السوفياتي ثم حكومة المجاهدين ثم حكم طالبان الأول ثم ما بعد سقوط طالبان.

وقد كانت مهنة سلطان «وهو اسم مستعار» خطيرة رغم كونها مربحة جدا له بالذات، استطاع بها أن يكون ثروة كبيرة، وهذا ما ترويه الكاتبة النرويجية «آسني سييرستاد» التي كتبت رواية «بائع الكتب في كابول». يقول سلطان «في بادئ الأمر أقدم الشيوعيون على إحراق كتبي ثم جاء المجاهدون بعد ذلك لتخريب المكتبة ونهبها وأخيرا أكملت جماعة طالبان إحراق ما تبقى مرة جديدة».

وتروي الكاتبة في هذا الكتاب «ترجمه إلى العربية في 356 صفحة حليم نصر وصدر عن الدار العربية للعلوم ناشرون» قصة حقيقية لواقع أسرة من الطبقة المتوسطة في أفغانستان حيث طلبت من سلطان أن يسمح لها بأن تعيش معه في بيته مع زوجتيه وأولاده وذلك من أجل تأليف كتاب عن أفغانستان من خلال توثيق حياة أسرة أفغانية، فوافق سلطان وخصص لها غرفة في البيت وطلب من جميع أفراد أسرته إكرامها وخدمتها. ولأن الكتاب تمت صياغته في قالب روائي فقد جاء رائعا في أسلوبه حاولت «سييرستاد» من خلاله أن تعكس نمط الحياة الأفغانية كما فهمتها هي.

وتهوى هذه الكاتبة حياة الخطر والمغامرات حيث قامت بتغطية الحروب والأحداث الساخنة في كل من الشيشان والبلقان والعراق وأفغانستان وحصلت على عدد كبير من الجوائز علاوة على إتقانها لخمس لغات ومعرفتها العامة بأربع أخرى. وقد أصبح هذا الكتاب أفضل الكتب غير الأدبية مبيعا في تاريخ النرويج، ثم وعندما ترجم إلى الإنجليزية أصبح واحدا من أفضل الكتب مبيعا في العالم.

تقول الكاتبة عن سلطان «لقد كانت الكتب كل حياة سلطان، فمنذ أن أعطي له الكتاب الأول في المدرسة أسرت الكتب والقصص لبه»، وقد كان يعمل أثناء دراسته ويوفر بعض المال من أجل شراء كتب يقرأها. وعندما وصل سن المراهقة بدأ ببيع الكتب، ثم ما لبث أن افتتح مكتبته الخاصة بعد أن زار طهران واشترى منها مجموعات كبيرة من الكتب. وعندما وصل الشيوعيون إلى الحكم ازداد ضغطهم على الناس وبدأ نمو الحركات الإسلامية فكان سلطان يبيع الكتب الدينية جنبا إلى جنب الكتب الشيوعية، لكن أمره افتضح وداهمت السلطات الأفغانية مكتبته وقامت بحرق كتبه وزجه في السجن لمدة عام كامل. وفي السجن - وبدافع حبه للكتب - رشى أحد الحراس ليقوم بإدخال كتب له كي يقرأها حيث اهتم هناك بقراءة التاريخ الأفغاني. وبعد خروجه من السجن استمر في بيع الكتب حتى أيام الغزو السوفياتي لأفغانستان حيث سجن مرة ثانية بتهمة كونه برجوازيا صغيرا.

بعد ذلك قام بشراء مئات الكتب منها ما هو نفيس جدا ببضع دولارات، كان منها مخطوطة قديمة حول أوزبكستان استطاع بيعها بعد ذلك لحكومة أوزبكستان بخمس وعشرين ألف دولار. واستمر سلطان في بيع الكتب عندما استولى المجاهدون على الحكم حيث تم تخريب مكتبته أيضا، ثم عندما استولت قوات طالبان على كابول حرقت مكتبته مرة ثالثة. لكنه استطاع أن يتوسع في تجارة الكتب وقام بافتتاح ثلاث محال لبيعها، وأن يقوم بتجميع نحو عشرة آلاف كتاب لم يعرض منها إلا القليل خوف الحرق والباقي كان يقوم بإخفائه وبيعه بشكل سري. وكان يضطر أحيانا إلى الخربشة على الصور الموجودة في الكتب من أجل تجاوز مشكلة منعها أو مصادرتها من قبل طالبان أو وضع لصقات خاصة تغطي الصور ويمكن إزالتها لاحقا إن أراد أو متى حانت الفرصة لذلك.

«ويعتقد سلطان عن نفسه أنه يمتلك أوسع مجموعة من الكتب عن أفغانستان، مجموعة تزيد عن ثمانية إلى تسعة آلاف مجلد»، كما قالت عنه المؤلفة، التي قالت عنه أيضا «فإن وجهه ليشرق كلما عثر على كتاب لم يمتلكه من قبل».

وبعد صدور هذا الكتاب لم يعجب سلطان بالتفاصيل التي وردت فيه واعتبرها نوعا من التزوير ومن خيانة حسن الضيافة من قبل الكاتبة، حيث اشتكاها لدى القضاء النرويجي متهمًا إياها بتشويه سمعته هو وعائلته عندما سردت بعض الأحداث عن ممارسات غير عادلة له داخل أفراد عائلته. فقام سلطان بتأليف كتاب يرد فيه على الكاتبة «كان ياما كان بائع الكتب في كابول» ترجم إلى النرويجية والبرتغالية.

ورغم مرور سنوات على صدوره ورغم كثير من النقد الذي وجه له، لا يزال الكتاب محتفظا بأهميته وتصدره للكتب التي تتحدث عن أفغانستان

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
بو محمد البحراني
[ المملكة العربية السعودية ]: 28 / 8 / 2021م - 5:52 ص
*اخي العزيز*
صباح الخيرات. لقد شدني مقالكم الشيق عن *سلطان خان* وحياته مع الكتب، وكذلك *صبر وتحمل الكاتبة* تلك الظروف وقلة الأمن.
شكرا لك على هذه المقالات الهادفة.
هل الرواية : *متوفرة في جرير*.
او PDF
تحياتي