آخر تحديث: 25 / 11 / 2024م - 8:33 ص

عالمية عاشوراء

علي أحمد آل رضي

تعدّ مفردة عاشوراء من أوسع المفردات استخداماً بين الأفراد والجماعات من أتباع المذهب الجعفري «الإثني عشري» طوال العام، ما حدث على سبط رسول الله الإمام الحسين وأولاده وإخوته وعائلته وأنصاره في ذلك اليوم على أرض كربلاء لا يغيب عن الأذهان، وإلى مضمونها الولائي يلجأ الناس في الأتراح للمواساة والسلوان وتقديم العزاء لأهل بيت النبوّة عليهم الصلاة والسلام، مع أنّ ثلّة من المسلمين ترفع المفردة ذاتها تحت وشاح عيد وصيام! تفاصيل موقعة عاشوراء حفظت مع من شارك في القتال ومع النساء والأطفال من عائلة وأنصار الحسين وتناقلت من أئمة أهل البيت وبين الرواة مما سهّل على الباحثين الوقوف على كثير من التفاصيل. ولأن الشعوب والقبائل تتواصل وتتعارف مع بعضها البعض والناس تسيح في مناكب الأرض يمكننا ملاحظة شياع الإحياء والاهتمام والمتابعة دون اقتصارها على أتباعٍ ومكان.

لا جدال أنه لا يمكن فصل أحداث كربلاء الدامية وما فيها من سفك وظلم على أهل بيت النبوّة عمّا عمله كفّار قريش وأتباعهم ومناصريهم الذين عصوا الله وخالفوا الدعوة والشريعة، حيث قال تعالى في محكم كتابه: «قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى. الشورى 24»، وكما في الحديث الشريف: «أذكّركم الله في أهل بيتي»، ولكن الواقع كما أوضحه الله تعالى في القرآن المجيد إنّ المنافقين كانوا ينصرون الدين بألسنتهم وتأبى قلوبهم، لذا شهدنا ما وقع على مولى الأمّة من ظلم ولعن على المنابر وما تبع ذلك من سجن وقتل لأئمة أهل البيت واحداً بعد آخر وهذا في الواقع امتداداً للثأر من انتصارات الدعوة المحمّدية عند انطلاقها، وهو ما يثبت أن واقعة كربلاء لم تكن بين فريقين موحّدين لإنّ الظَلَمة لم يؤمنوا أصلاً بالرسالة ولم يطيعوا الله ورسوله واتخذوا آلهتهم الهوى.

التطوّر التقني في تسارع وتحت ضغط الوباء شارك بمهارة ونتج عن ذلك طرح مبادرات تقنيّة رائدة في معظم المجالات ولعل القيود والضوابط المعزّزة للاحترازات الصحية ساهمت في الحدّ من حضور البرامج العاشورائيّة في أماكن القراءة بل الاكتفاء بالمتابعة عبر البث المباشر، وهذا ما يؤسس إلى برامج مستقبلية متطوّرة ومتنوّعة إلى كل الأطياف وجاذبة إلى كل الشعوب والأمصار، يساهم في إعدادها الفتية الملهمون والمبدعون. المجال التقني بلا حدود وأمواجه تدور في الكون بين مرسل ومستقبل ومتى ما تم استخدام أدواته الاستخدام الأمثل سنكون قادرين على تعريف النهضة الحسينية الإنسانية الملهمة والصحيحة بطريقة تفاعليّة محفّزة للكبير والصغير والقريب والبعيد. ومما لا شكّ فيه أن الالتزام بالاحترازات قد اخفض عدد المجالس مما ترك بعض الخطباء المميّزين دون مشاركة مع أن البعض قبِل القراءة في ثلاثة مجالس كل ليلة. هل سنرى مستقبلاً عودة الصانع وتشارك بين الخطباء وأن يتقاسم أكثر من خطيب فقرات المجلس؟

ليس بمستغرب أن تثار بعض الجدالات أيام البرامج العاشورائية وأكاد أجزم بتحقّق عدّة مكاسب مع هذه الإثارات حيث الخطيب المتمرّس والمجتمع لا يزعجه النقد الهادف والموضوعي بل يساهم في بناء القوة والموثوقيّة وهذا يتم نتيجة تفاعل فكري قوي مع البرامج بدل أن تأخذ هذه البرامج شكل النمطيّة التقليدية الاستماع السطحي الصامت، ومن البديهي القول أن على الخطباء أن تتّسع صدورهم وتقبّل الملاحظات لأنها مصدر ترابط وتكامل المجتمع على أن تكون الملاحظات جدّية ومفيدة بعيدة عن الإثارات التي هدفها النقد للذّم والنيل من الخطيب أو فئة الخطباء دون مسوّغ وضرورة. ولا يلزم المواجهة والإساءة عند طرح رأياً مخالفاً، وكما لاحظنا أنه يوجد ضمن برنامج بعض الخطباء فرصة للحوار عن الأداء خلال الفترة مع المستمعين ومنهم من لديه مجلس للاستماع والحوار والمناقشة بشكل دوري طوال العام وهذا ما كان مفقوداً في العقود الماضية.

وفي الوقت الذي نحاول مواكبة المتغيّرات المعزّزة للوحدة مثل الحوار وانحسار نبرة الطائفية والشراكة في كثير من المحافل والبرامج واتساع رقعة البث المباشر المفتوح للمجالس العاشورائية لا يزال الخطاب بشكل عام موجّه إلى الموالين شيعة الإمام الحسين مع أهميّة وزنه وتطويره ليخاطب الأمّة والعالم، نحن نطمح أن تكون الملحمة الحسينية العاشورائية وسموّ أخلاق الإمام الحسين وأهل بيته الموضوع الرئيس على منصات الخطابة العالميّة وبمشاركة كل الشرفاء. كما لنا أمل أن يتم قريباً اضافة اليوم الثاني عشر من شهر أكتوبر «ذكرى الملحمة الكربلائية» يوماً عالمياً لنصرة الحقّ.

عن الرسول الأكرم ﷺ أنه قال: ”حسين مني وأنا من حسين، أحبّ الله من أحبّ حسينا“. بحار الأنوار للعلامة المجلسي.