وقفة مع كتاب: «الهجَريون ودورهم في رواية الحديث» للشيخ محمد الحرز الأحسائي
يشكّل كتاب «الهجريون ودورهم في رواية الحديث» للباحث الشيخ/ محمد بن علي الحرز، أهمية كبيرة في تاريخ الأحساء الموغل في القِدَم؛ لما للموضوع الذي تناوله المؤلف من قيمةٍ كبيرة، خصوصاً أن الزاوية التي تناولها بحثاً تُعد زاوية مهمّة وبحاجة إلى تسليط الضوء على الدور العلمي للهَجَريين، وكذلك يُعد هذا الكتاب رافداً مهماً في كتب التراجم الخاصة بمنطقة الأحساء، فمع وجود مصنّفات سابقة لهذا الكتاب، مثل: «أعلام هَجَر» للسيد هاشم الشخص الأحسائي، و«مطلع البدرين» للمرحوم الحاج/ جواد آل رمضان، وغيرهما من المصنّفات؛ إلا أن هذا الكتاب يسدّ ثغرةً مهمّة في كتب التراجم الأحسائية.
كان مدخل المؤلف لكتابه بارزاً ومهماً، وذلك بتوضيحه اسم «هَجَر» ومدى مشابهته لأسماء مواقع أخرى ك «هَجَر اليمن» و«هَجَر المدينة»، مستشهداً ومرجّحاً بقرائن تدعم أن من ينتسب إلى «هَجَر» هو من «هَجَر إقليم البحرين التاريخي» خصوصاً أن بعضهم مذكور بنسبته إلى القبيلة وهي قبيلة عبد القيس التي قطنت الساحل الشرقي من شبه الجزيرة العربية. ولا يخفى على من يتابع كتب المؤلف ومنها هذا الكتاب أنه يسلّط الضوء على الموضوع محل البحث متجاوزاً الاستطرادات التي لا تمت إلى صلب البحث بصلة.
تناول المؤلف شيئاً يسيراً من تاريخ قبيلة عبد القيس التي نزحت إلى «هَجَر» والأسباب التي دعت لذلك النزوح بما يسمح به المقام، ومعرّجاً على دور الهجريين في رواية الحديث، حيث إن مقدمة المؤلف تكمن أهميتها بأن أبناء هذا الإقليم ليسوا منغلقين على أنفسهم أو أنهم يحصرون اهتمامهم في زوايا معيّنة؛ بل أثبت أن لهم إسهاماتهم في إعمار الأرض بشتى السبل، ومنها حبّهم وإحيائهم للعلم مع مشاركتهم في الحفاظ على بيضة الإسلام فور بزوغه في الحجاز والأحداث المصاحبة له.
أما خطة البحث فقد كانت واضحة المعالم، من حيث ذكره مستويات الحديث عند الهجريين الذين رصدهم المؤلف بين دفّتي كتابه، مع الإشارة إلى أن عدد من ذكرهم من الرواة يبلغ «54» راوياً هَجَرياً. ولا شك أن هناك آخرين لم يتطرق لهم المؤلف بيد أنه وضع مصنّفه ليسهم في توثيق هذه الزاوية من تاريخ المنطقة ذات البعد الحضاري.
وقفة قصيرة مع الكتاب:
أُشير في هذه الوقفة القصيرة إلى أن المؤلف رغم الجهد الذي بذله في رصد هذه الأسماء فإن لي تعقيباً على سبيل الإشارة لا الحصر، وهو على النحو الآتي:
«1» عدم ذكر تواريخ ولادة الرواة المعنيين محل البحث ووفياتهم، حيث إن ذكر هذه التواريخ أمر مهم في هكذا كتاب، وسأشير إلى بعضهم بشكل سريع.
«2» ص48 ترجمة إبراهيم بن مسلم الهجري: لإبراهيم الهجري سبعة طرق في الرواية إلى رسول الله ﷺ وسلّم، ذكر المؤلف أربعة طرق، وفاته ثلاثة طرق، وسأذكر ما فاته وهي: أن إبراهيم الهجري يروي عن أبي الأحوص عن عبدالله بن أبي أوفى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن عبدالله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن أبي عياض، عن أبي بكرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كذلك روى عن مجموعة لم يتطرق لهم المؤلف وهم: عبيدالله بن معية السوائي من بني عامر بن صعصعة، وقيل عبدالله، وقد ورد اسمه في الرواية «رجل من بني سواءة»، وقرط أبو توبة.
«3» كذلك فات المؤلف ذكر بعض الرواة الذين نقلوا عن أبي إسحاق الهجري «إبراهيم بن مسلم»، أمثال: أسباط بن محمد بن عبدالرحمن بن خالد بن ميسرة القرشي الكوفي «ت 200 هـ »، والحسن بن دينار، وزهير بن معاوية «ت173 هـ »، وغيرهم ممن فات المؤلف ذكرهم.
«4» تمنيتُ أن يذكر المؤلف أسماء الرواة كاملة دون الكنية وأقصد بهم الذين وردوا تحت فقرة «الراوي عنهم» و«الراوون عنه»، وذلك تلافياً لاشتباه الكُنى عند بعض الرواة.
«5» ص78 ترجمة حوشب بن عقيل الهجري: أضيف على ما ذكره إلى أن من روى عنهم أكثر من الذين ذكرهم المؤلف، منهم: أبو الزبير الدرمكي، وعطاء بن أبي رباح المكّي «27 - 114 هـ »، ومسلم بن يسار الأموي «ت 108 هـ »، أما من رووا عنه فإن بعض الأسماء فاتت المؤلف ومنها: إبراهيم بن أبي داود، وإياس بن دغفل البصري الحارثي «أبو دغفل»، وبكير بن عبدالعزيز، وغيرهم.
«6» هذا ما وددت ذكره على سبيل العُجالة، وإن كان الكتاب يستحق وقفةً أكثر من هذه الوقفة القصيرة لما يمثله من أهمية علمية وتاريخية.
«7» يبقى الكتاب مهماً وبصمة ثريّة من بصمات المؤلف، والنقاط المذكورة لا تقلل من شأنه ولا من قيمته العلمية، حيّ الله المؤلّف وحيّ الله بصماته في توثيق تاريخ الأحساء.