آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

منجم الذهب

عبد الله الناصر

وأنا أتجول في مكتبة جرير، في رحلة بحث عن كتاب يلفت انتباهي لأهديه صديقاً عزيزاً لدي، يرافقه كذكرى مني أثناء سفرة للخارج من أجل العمل.

اتجهتُ للقسم المخصص بأكثر الكتب مبيعاً ولقسم أحدث الكتب اصداراً، فلم يسحرني أي كتاب لاقتنائه، فوقفت حائرا بين تلك الأرفف الممتلئة بالكتب، والملفت بالمكتبة أعداد الناس المتواجدة مما جعلني أطمئن، فمازالت ثقافة الكتاب والقراءة حاضرة بقوة في مجتمع سادت به الكتب الإلكترونية.

لفتني أن بعض المجالات تأخذ أقساما كبيرة بالمكتبة مثل الروايات بعكس بعض المجالات كانت الكتب فيها نادرة، عندها وقعت عيني على كتاب «أسرار عقل المليونير» فجذبني العنوان لقراءة الكتب المماثلة له، وللأسف كان عددها قليلا جدا تلك التي تتحدث عن طرق الثراء وجميعها كتب أجنبية مترجمة، جلست على إحدى الكراسي المخصصة للقراءة وبدأت التصفح بتلك الكتب واندمجت فيها.

ووجدت أنها تحوي تجارب شخصية لأشخاص خرجوا من قرى الفقر إلى عالم الثراء بخطوات من النجاح ترافقها إرادة تجعلهم يقفون فيها وقت الانكسارات وإيمان حقيقي بالوصول إلى أحلامهم، وعلم نافع ومهارات سهلت لهم طرق الثراء، هؤلاء الأثرياء كانوا يستيقظون يوميا مبكرا، يعملون بأكثر من مصدر للدخل، يملكون حباً لثقافة الادخار أكثر من حب شراء الثانويات من الحاجات، أغلب هؤلاء يتبرعون كثيرا لمجتمعاتهم والمحتاجين بمبدأ «لا تعطي الفقير سمكه بل علمه كيف يصطاد» فكثيرا منهم وفروا فرص العمل للعاطلين بدل مساعدتهم ماليا.

أخيرا أشتريت أحد هذه الكتب، وقبل أن أهدي صديقي هديته، كتبتُ في أول أوراقه إهداء له مفاده «أنت منطلق برحلتك الطويلة لتثبت ذاتك وتحقق أهدافك وتأمن مستقبلك شيء جيد….. ولكن ليس كافيا…. أضف لذلك هدفا أن تكون ثرياً وأنك ستعود لوطنك بلقب مليونير. هذا الكتاب سيكون بدايه المشوار ليكن رفيقك بالطائرة وكل أوقات فراغك، وإن طال الطريق نحو الثراء فإنه يقصر منذ الخطوة الأولى نحوه فانطلق يا صديقي».

في دولنا العربية الكثير من أصحاب الثراء، ذو الخبرة في عدة مجالات، أين كتبهم التي تتحدث عن خبراتهم ونصائحهم الراشدة للناس في كيفية النجاح للوصول للثروة؟ وأين مقابلاتهم التلفزيونية ومقالاتهم الصحفية التي تشجع الفقراء ليرونهم كنموذج، لماذا نرى كل ذلك بالدول الغربية حتى أصبحنا نترجم كتبهم ومقابلاتهم ونعرضها بقنواتنا. ألا يحب الرجل المتدين الخير إلى من حوله؟ هل الدين يشجع الغني على الأنانية؟ هل يوجد كتب إسلامية تشجع على الثراء؟

إذا كنت تملك الطموح لزيادة ثروتك؟ أدعوك للاستماع لمحاضرة الشيخ حسن الصفار المشجعة للناس بالسعي في ذلك وبعنوان «اكتساب الثروة من الإيمان» الإنسان يسعى للسعادة والراحة بحياته، ولكن الثقافة التي تحيط به هي المؤثر الأول المسيطر على نشاطه وحركته نحو الاجتهاد بالرقي من وضعه.

يوضح الشيخ الصفار ذلك لوجود نوعين من الثقافات في المجتمع تأثر في سلوك الفرد وتصنع واقعه:

- ثقافة تثير الطموح والتطلع والدافعية.

- ثقافة تثير الكسل والخمول والتحبيط بالعمل.

ولأن الإنسان المتدين يقتدي بقواعد الدين وتشريعاته كان لابد من معرفة الآراء الدينية خاصة المرتبطة بشؤون الحياة وسعي الإنسان نحو اكتساب الثروات. وقد انقسمت آراء رجال الدين إلى ثلاثة اتجاهات وضحهم الشيخ كالتالي:

- آراء تشجع لتمجيد الفقر ومدحه واعتباره شيئا جيدا، وعدم الاتجاه لإغراء الغنى ورفضه حتى لو اتيح لك ذلك، ولا ينخدع به كون الفقر أفضل، ويعتقد أن سبب ظهور هذه الآراء هو إقناع الفقراء بواقعهم وعدم مطالبة دولهم بتحسين المعيشة.

- آراء تدعو الإنسان للعيش حد الكفاف فيعيش ضمن احتياجاته ليتفرغ لعبادة الله بدل السعي للعمل وتكوين الثروة، وحتى لا يصيبه غرور الغنى فيطول حسابه يوم القيامة فيما عمل بتلك الثروات.

- آراء تحفز الإنسان لاكتساب المال والثروات والعمل بقدر ما يستطيع لذلك، وكلما عمل أكثر كان في مستوى أرقى، بشرط الابتعاد عن الآفات والسلبيات التي تصيب الناس وقت الغنى ومنها الأنانية.

ثم يحدد الشيخ الصفار الاتجاه الذي اتبعه الإسلام من بين تلك الآراء، حيث يميل الإسلام إلى الآراء المحفزة للعمل والثراء، وأكد على ذلك لكون القرآن خاليا من أي آية تمجد الفقر، بل هناك الكثير من الآيات تدعو لمساعدة الفقراء، وتشجع على الغنى، والله تعالى بنفسه وعد المؤمنين بالغنى بعد الافتقار إذا أحسنوا العبادة، وكم من الآيات التي دعت إلى إيتاء الزكاة في القرآن؟ ومن يخرج الزكاة غير الميسورين ممن يملكون الزائد من الأموال والثروات، أي أن الإسلام دين الثراء وليس كما تراه المجتمعات الغربية، لذلك أشار القرآن إلى أن المزكين والمتصدقين والمجاهدين بأموالهم لهم أجر عظيم عنده وهذا تشجيع لهم على العطاء والبعد عن الأنانية.

لماذا يتجه الدين الإسلامي لتشجيع الناس نحو الغنى؟

يجيب الشيخ الصفار بعدة نقاط منها:

- الثروة تأتي بجهد الإنسان لذلك هي محفزة له للعمل والنشاط مما يجعله يطور مجتمعه ويعمر الأرض.

- الثروة تكسب الإنسان خبرات عديدة فكل انكسارة في مسيرته تجعله أقوى وأنضج وتنقله لخطوات أكبر.

- الثراء يرتقي بحياة ومستوى الناس فيعيش حياة سعيدة مريحة تكفيه الحاجة والعوز ونقص الحاجات.

- الثروة تمنح أصحابها مكانة اجتماعية عالية بالمجتمعات التي يعيشون فيها وتزداد هذه القيمة إذا كان الشخص معطاء لمن حوله.

- الثروة تمكن الغني من عمل الخير لذلك «الغني الشاكر أفضل من الفقير الصابر» لأن الفقير وضعه فردي لنفسه لكن الغني يفيد المجتمع بكرمه.

يثري الشيخ الصفار محاضرته بآخر الإحصائيات المتعلقة بعدد الأثرياء في سويسرا حيث يوجد بين كل 25 شخص مليونيرا واحدا، وذكر بعدها الإحصائيات العالية للأثرياء في المملكة العربية السعودية داعيا إياهم للاندماج مع مجتمعاتهم بيد سخية معطاءة لسد احتياجات أصحاب التعفف والحاجة ولرفع مستوى مناطقهم وأوطانهم، وإن العطاء التطوعي هو تجارة رابحة مع الله تكسب الإنسان أضعاف ما أعطى بعكس ما يفكر به الناس.

كما حذر الشيخ المجتمع من الاتجاه لطرق الربح السريع التي لا تفرق بين الحلال والحرام، والاحتراز من أصحاب السرقات والخدع الذين يوهمون الناس بالربح دون تعب أو اجتهاد، وأن لا ينسى المؤمن ذكر الله ولا تشغله أعماله عن عبادته فالوسطية والاعتدال هي حل لكل جوانب الحياة.

عندما تضع جهازا للماء في حديقة قريتك، ليرتوي منه زوار الحديقة، قد يجهل الناس المتبرع، لكنك ستسعد في كل مرة وأنت تشاهد الناس تسد العطش من عطائك، وستنال الأجر على كل شخص منهم، سعادة كبيرة جدا يشعر بها الإنسان مقابل عطاء صغير. فكم مقدار السعادة في نفوس من عطاؤهم أكبر ويخدمون المجتمع بالتبرع بمساجد وعمارات ومدارس ومنح تعليمية ومصاريف للعلاج والزواج وغيرها؟؟؟ وكم هم محظوظون لأنهم استغلوا الثراء بأجمل أشكاله؟.

الحياة كالمنجم مخيف مظلم ومجهول ما بداخله لكنه ممتلئ بالذهب والخيرات، يحتاج منك السعي والعمل والدخول بداخله والبحث بيديك عن تلك الكنوز، ومن يعمل أكثر يلقى أكثر. وإذا أردت الثراء فما عليك إلا الدخول للمنجم..