رسالة مفتوحة إلى الشيخ نزار آل سنبل
قبل أيام طرح سماحة الشيخ حسن الصفار، في محاضرة عاشورائية إشارة عابرة إلى عدم دقة المقولة المنسوبة إلى أحد أصحاب الإمام الحسين، وهو الشهيد البطل عابس ابن أبي شبيب الشاكري، والذي نُسب إليه القول: ”حُبُّ الحُسينِ أَجَنَّنِي“. خلاصة رأي الشيخ الصفار أن هذه المقولة نسبها للشاكري مؤلفٌ معاصرٌ هو الشيخ أسد حيدر في كتابه ”مع الحسين في نهضته“، كما وردت في ”أدب الطف“ للسيد جواد شبر، وهو من المعاصرين أيضًا، ولا أثرَ للعبارة المذكورة في كتب العلماء المتقدمين طيلة 1300 عام الماضية. بعدها ثار جدل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، اتسمت فيه بعض التعليقات بالعقلانية، فيما جنحت أخرى نحو الانفعال، وهذه الأخيرة لا شأن لنا بها هنا.
من بين مختلف التعليقات ارتأيت أن أقف على واحد منها، وهو تعليق سماحة الشيخ نزار آل سنبل. ومردُّ ذلك إلى كون الشيخ باحثًا ومؤلفًا، له العديد من التقريرات لأبحاث علمائية رفيعة، فكان متوقعًا بالنسبة لكثيرين، ومنهم كاتب السطور، أن نجد في تعليق سماحته مزيدًا من الإثراء لساحة النقاش العلمي حول المسألة المثارة من قبل سماحة الشيخ الصفار. غير أن ما وجدناه في تعليق الشيخ آل سنبل، والذي ظهر في فيديو مسجل، جاء على غير المتوقع، وذلك لعدة أسباب، سأوردها اختصارًا:
الأول: لم يلامس الشيخ آل سنبل جوهر المسألة المثارة ولو بكلمة واحدة. إن جوهر المسألة المثارة هو عدم صحة ورود عبارة ”حُبُّ الحُسينِ أَجَنَّنِي“ عن عابس ابن أبي شبيب الشاكري، فكان متوقعًا من أي معلق إما أن يقبل بالرأي المطروح، أو يرده وفق دلائل قوية يرتئِيها هو، ويتفهمها كل باحث منصف، إلا أن الشيخ آل سنبل لم ينبس ببنت شفة حول هذه المسألة، لا مُصحِّحًا ولا مُخطِّئًا!. وعوضًا عن ذلك ذهب إلى موضوع آخر لا صلة له بالمسألة، وهو ما سأتناوله في سطور لاحقة.
سماحة الشيخ آل سنبل، وهو المطلع على علم المنطق، أظنه يعرف جيدا معنى المغالطات المنطقية، وأخُص منها بالذكر تلك القائمة على التحريف، والتي أفضّل عدم التفصيل فيها احتراما لمقامه.
الثاني: أثار الشيخ آل سنبل مسألة البلاغة وأدواتها في الخطاب العام، من كناية ومجاز، غير أنه لم يكن موفقًا على هذا الصعيد أيضًا، فموضوع البلاغة واستعمالاتها ليست من أبسط البديهيات التي يدرسها طلاب المدارس الثانوية، فضلًا عن خطباء المنابر، وخاصة منهم الذين أفنوا أعمارهم في هذا المجال، ومع ذلك لو استرسلنا مع الشيخ آل سنبل في هذا الموضوع ”بالرغم من عدم صلته بالمسألة المثارة أصلًا“، فلنا أن نقول إن سماحته يعلم جيدًا بأن موضوع الكناية والمجاز ليسا بابًا مشرعا، وما ينبغي الولوج فيه كيفما اتفق، فهناك من مدح أحد الخلفاء ذات يوم بالقول: ”أنت كالكلب في حفاظك للودّ ** وكالتّيس في قِراع الخطوبِ“، فهل لك يا شيخ أن تذهب لأي حاكم اليوم وتقول: أنت كالكلب أو كالتيس؟!، أم هل تستسيغ وصف أحد أساتذتك من العلماء الكبار بالكلب أو المجنون كنايةً عن وفائه وحبه لأهل البيت؟!، أم ستكون هذه من ”البلاهة“ عوضا عن البلاغة!.
الثالث: وعلى قول المناطقة: ”النتيجة تتبع أخس المقدمات“، مضى الشيخ آل سنبل في توجيه اتهام مباشر مفاده بأن من ينكر المجاز فهو متأثر بالضرورة بالمدارس المذهبية الأخرى، وقد كانت هذه الذروة في كلامه والخلاصة الأخيرة التي أرادها. وهنا نقول إن سماحته ذهب بها عريضة كما يقال، فالمسألة المثارة كانت مجرد مقولة تاريخية في الأصل، وكان المطلوب منكم إما إثباتها أو نفيها والرد عليها، لا أقل ولا أكثر، أما الذهاب إلى حد الاتهام وتوجيه الطعون الشخصية فهذا أمر يثير ألف علامة استفهام!. وهنا يتضح جليًّا من الذي يأخذ من المدارس الأخرى ”من حيث يشعر أو لا يشعر“ والتي من ديدنها وصم الآخرين وإلقاء التهم على عواهنها دون مسوّغ ولا مبرر، سوى ما نعلم وتعلمون!
وأخيرًا، نقول للجميع أنه في خضم السجالات العامة، ليس هناك أسوأ من الردود الارتجالية والمستعجلة، إذ في هذه الحالة غالبًا ما تكون روح ”الأنا“ طاغية، وعقلية الاصطفاف مسيطرة، ونزعة إرضاء الأتباع حاضرة، وهذه بمجملها عوامل كفيلة بأن تأخذ أي حوار، إلى خارج سياق الموضوعية والرأي العلمي المجرد، على نحو يرقى إلى المناكفة وتصفية الحساب، وذلك ما يخدش الأمانة العلمية لدى المتكلم. هدانا اللهُ وإياكم إلى سواء السبيل.