آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

زهرة في مكب النفايات

عبد الله الناصر

من المهم أن نبصر العالم من حولنا، نأخذ من كل دولة ناجحة ما يجعلنا نتطور في جانب من جوانب حياتنا. نحن لا نملك عصا سحرية تحقق الأحلام، لكننا نملك عقولا بشرية أوصلتنا للسماء.

دولة سميت ب «مكب النفايات»، اُستعمرت بطريقة غير إنسانية لمدة 35 عاماً من اليابان، شعب أمي غير متعلم، فقر حد المجاعة، يدخل حربا لمدة خمس سنوات، نتائجها دمار كلي في الدولة، موت خمسة ملايين شخص وانفصال الدولة لقسمين، حظي القسم الشمالي بثورات الطبيعية، وبقي الجنوب دون مصادر وإمكانيات. القسم الجنوبي المتهالك قرر النهضة فضحك العالم منه وجاءت العبارة الشهيرة لهم «أن الزهرة لا تنبت في مكب النفايات».

كوريا الجنوبية التي بدأت من الصفر، حولت كل مكبات النفايات إلى حدائق يزورها السواح اليوم، من دولة الجهل إلى دولة تحمل أقوى نظام تعليمي بالعالم، ومن أضعف دول العالم إلى رابع قوة اقتصادية في آسيا، استطاعت بصناعاتها الدخول لكل بيت، وعند الرجوع لمعرفة سبب نجاح نهضتها نجد أنها ارتكزت على وعي المواطن في مساعدتها لإنجاز خططها المتكاملة للتطوير بجودة حياتهم.

كان أساس التغيير هو التركيز على قيمة العلم فدعت لذلك ولم يتوان مواطنيها عن التعليم بجدية والتزام، تطورت الزراعة والصناعات خلال سنة وازدادت خلال سنوات، واليوم معظم صناعات اليابان تبيع كوريا مثيلاً لها بسعر وتكلفة وجهد أقل.

إن قوة كوريا الجنوبية في وعي شعبها الذي لا يبخل على نفسه ولا على مجتمعه بماله ووقته وجهده، فخلال الأزمة الاقتصادية سنة 1997م. قام الشعب بالتبرع بالذهب الذي يملكه للحكومة لتبيعه للحصول على المال الذي يحل ديونهم الاقتصادية، لأنهم على ثقة أن حكومتهم ستسخر المال لخدمتهم وهذا ما حدث، شوارع كوريا نظيفة مشجرة، بيوتهم ترتدي جميع ألوان الزهور، فكل منزل بكوريا يخصص صاحبه من ميزانيته ما يهتم به لجمال منزله ومنطقته، ويخصصون أكثر من نص رواتبهم لتعليم أبنائهم، وجزءا منه لشراء كل الأدوات المتطورة التي تكسب معيشتهم راحة، شعب يعمل ليل نهار ليكسب راحته وتطور بلاده.

هل يمكن لأوطاننا أن تعيش هذه الرفاهية والتطور؟ وهل للدين دور في ذلك؟ نقاش مختصر دار في محاضرة الشيخ الصفار بعنوان «الرفاهية وجودة الحياة».

دائما ما يبدأ الشيخ بتوضيح المفاهيم العامة التي ترتكز عليها محاضرته حيث أشار إلى أن في داخل المجتمع الواحد اختلافات في المعيشة ومستويات الناس، وكذلك يوجد اختلافات بين الدول في جودة حياتها لذلك يهرب أبناء الدول الفقيرة محاولين الدخول بطرق غير رسمية للدول الغنية بغية حياة أفضل، ويهاجر العباقرة للعمل في الدول المتطورة التي تقدر قيمة أفكارهم.

لقد خلق الله الإنسان بعقل طموح يتطلع دائما للأفضل، ومن هنا بدأ الفلاسفة الغربيون بوضع الكثير من النظريات التي تهدف عند اتباعها إلى تحريك الإنسان نحو التطور في حياته. وقدم الفيلسوف «أفلاطون» فكرة تطور المجتمع وتحقق له الجودة والسعادة وسميت ب «المدينة الفاضلة» وتحتوي نظريته على الكثير من الأفكار ذكر منها الشيخ:

- أن يكون الفيلسوف هو قائد هذه المدينة.

- يجب أن يعيش الناس في المنتصف بين الغنى والفقر.

- يحب التخلص من المعاقين لأنهم يعيقون الحياة.

جاء من بعده كثير من الفلاسفة الغربيين والعرب بنظريات عدة وتم تقسيم اتجاهات هذه النظريات إلى ثلاث أقسام:

- نظرية المتعة واللذة: فكرتها أن السلوك البشري قائم على الحصول على أكثر سبل المتعة وتجنب أكثر الأمور المؤلمة، فكلما استمتعت وصلت لجودة حياتك.

- نظرية الاختيار العقلاني: تقوم على أن كل إنسان ومجتمع لابد أن يكون له مقاصد بحياته ويوفر الوسائل للوصول إليها وعند اكتمالها يحقق جودة حياته.

- نظرية ازدهار الإنسان: وتعتمد على أن جودة الحياة مصدرها تطوير الإنسان من الداخل ليبرز طموحاته وقدراته، فالدول التي تطور أفرادها هي أكثر الدول جودة.

ثم يتجه الشيخ إلى تفصيل واقع حياتنا اليوم حيث أصبحت جودة الحياة تتركز على منظمات مجتمعية توفر الخدمات للإنسان وتكون لها مقاييس وأساسيات حول العالم للترتقي بحياة الشعوب مثل مقياس مؤشر السعادة العالمي، مؤشر البطالة، التعليم، الصحة، الدخل الاقتصادي، ومنهم يقاس تطور كل دولة على حدة. فاليوم ممكن معرفة ترتيب المملكة العربية السعودية على جميع الأصعدة مقارنة بدول العالم.

والإسلام يحوي تشريعات وأحكاما شاملة تبدأ من الجانب الروحي ودرجة الارتباط بالله فكلما ازدادت ازداد تطور وجودة حياتنا، ولكن عدم وعي الإنسان بها وعدم تطبيقها معيق للتطور، فَلَو وضعت الدول برامج منظمة ودقيقة للنهضة لن تنجح دون وعي الفرد بها وتطبيقها وكذلك في الجانب الديني.

جميعنا نرغب بدولة وحياة مريحة، هذه المسؤولية ليست فردية بل جماعية ضمن منظمة متكاملة، نرى بعض الدول الفقيرة تمتلك مناطق تعيش بها مجموعة من خارج بلادهم يطورون هذه المنطقة وتصبح منطقة منظمة ومرتبة ومتطورة بسبب الثقافة التي يمتلكها هؤلاء الأشخاص وطبقوها هناك. وللأسف لا تتخذ تلك الدول من هؤلاء أنموذجا ويبقون على تخلفهم.

ويدعو الشيخ الصفار علماء الدين من أن يحتوي خطابهم الديني على الأمور التي تدفع الإنسان المتدين لكي يتخذ من تعاليم الدين ما يطور به نفسه ومجتمعه. والدعوة للكرم بعيدا عن البخل الذي يستوطن بعض الأشخاص، الذين يكنزون الأموال ويعيشون أولادهم الفقر والحاجة.

الإسلام لا يدعو للاهتمام بالحياة الآخرة، والبعد عن متع الدنيا ونعيمها، فهو يوجهنا للاعتدال في المصرف، نبتعد عن البذخ حد الإسراف ونترك البخل وتكديس الأموال، فالوسطية تخلق توازنا في الأمور وراحة للإنسان.

يستطيع كل منكم أن يشاهد الصور التي صورت من الفضاء للكرة الأرضية، ويحدد بنظره كوريا سيجد نصفها الشمالي معتما بالظلام والنصف الثاني مشعا بالإضاءة. نحن نستطيع أيضا أن نضيء الدول الإسلامية بأكثر الأمور تطورا وجودة، لنثبت للعالم أن الدين لا يعيق رفاهية حياتنا، إثبات ذلك يحتاج منا تقديم الوقت والجهد والمال لأنفسنا ولمن حولنا ولأوطاننا كما فعل شعب كوريا الجنوبية فنهض بدولته.

سامسونج، هيونداي، كيا، إل جي، وغيرها من عشرات الشركات من منا لا يملك جهازا بمنزله منهما؟؟؟ مهما تأخرنا فهناك الوقت لبداية جديدة دائما، بداية ننطلق بها ونحن نحمل قواعد ديننا ونصنع به تغييرا كبيرا في العالم ونترك أثرا في كل بيت في العالم «بفكرة من عقل بشري مسلم» ليرى الجميع قوة الإسلام الذي طالما استهين به.