آخر تحديث: 5 / 10 / 2024م - 10:01 م

الحسين ومعركة الخلود

جهاد هاشم الهاشم

الحرية والفكر والمبادئ والقيم الأخلاقية؛ هي أبرز عناوين الحضارة الإنسانية، فكل البشر العقلاء يبحثون عن الحق، ويسعون لتحقيقه كعنوان رئيسي، والكل يجمع على التصدي للباطل، وترسيخ ذلك كنمط في التربية والتفكير. وإن أهم مميزات عصرنا الحالي هو الصراع القائم ما بين الأحرار الحقيقيين ومسلوبي الإرادة، وما واقعنا المعاش في الحياة الحاضرة إلا تجسيد لحقيقة البشر، ما بين حر وعبد. هكذا هي حياتنا وعندما نبحث عن أبرز الصور والأطر التي يراد لنا تجسيدها من الناحية التاريخية بهذا الخصوص؛ فإننا ولاريب نراها واضحة المعالم في واقعة كربلاء بموقف تبلور فيه الحق والحرية وهو ما جاء به الإمام الحسين في معركة الطفوف ضد أفضل من جسد اللامعقول؛ حيث أظهر الإمام الحسين شجاعة استثنائية على الإطلاق، بل تجاوزت كل تصورات العقل البشري، وكذلك الثبات على العقيدة بجمع قليل من أهل بيته الأطهار وأصحابه المنتجبين الأخيار أمام جيش متغطرس، ولم يكن الأمر مفاجئا بل إن الإمام الحسين كان يدرك ما سيفعله جيش العدو؛ فتحول دم الثائرين ضد الباطل إلى مشعل نور تستضيء به الأمم على مر العصور.

شكلت ثورة الإمام الحسين تحولا كبيرا في تاريخ وحضارة الأمة، ونهضة في الفكر والثوابت الأخلاقية، وصدمة في المشاعر والقلوب، ولهذا لم يقتصر الأمر على اللحظة التاريخية التي وقعت فيها الحادثة، بل امتدت نتائجها لكل العصور والأزمان.

من هنا تعدّ واقعة الطف من أكثر المعارك عظمة في التاريخ الإسلامي حيث أن الإمام الحسين أعاد الروح والأمل وأسس قاعدة مهمة ونافعة إلى كل المجتمعات الإنسانية الباحثة عن الحق والعدل والانصاف والإخاء لهذا يجرنا الحديث عن قول الرسول الأعظم عليه أفضل السلام وأتم التسليم حينما قال: ”حسينٌ منّي وأنا من حسين، أحبّ الله مَنْ أحبّ حسينًا وأبغض الله مَنْ أبغض حسينًا“.

فعبارة حسين مني فهذه لا يحتاج إلى نقاش ولا أن نسترسل فيها بالمزيد من نسج الكلمات، أما عبارة وأنا من حسين أي أن الحسين بنهضته المباركة قد صان بدمه الطاهر الشريعة المقدسة ووقاها بنفسه الشريفة وبثورته ونهضته قد جدد قيم الرسالة المحمدية الأصيلة ضد هؤلاء الذين لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن وتظاهروا بالفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالغي، وأحلوا ماحرم الله وحرموا حلاله. ناهيك عن إحياء المنهج القويم الذي بعث من أجله محمد ﷺ وها هو أبو عبدالله الحسين في معركة الكرامة معركة الخلود يعيد الروح لسنة جده ﷺ من خلال ذلك الحراك والذي نتج عنه تلك الملحمة الخالدة والتي أبقت كلمات وشعارات الحسين لتكون بمثابة مصباح منير للبشرية جمعاء وليس للمسلمين حصرا.

والتضحية مقابل الخلود وقبل معركة كربلاء كانت الفرص فيها متاحة للإمام الحسين لو كان طالب دنيا إذ كان من الممكن أن يتجنب تلك المأساة بل وبالإمكان أن يصيب بعض المكاسب الدنيوية لكنه منزه عن ذلك لاشك وأنه سلام الله عليه ليس بالرجل الباحث عن الجاه والأموال، بل يبحث عن إحقاق الحق وتحقيق المبادئ والقيم العليا الرفعية ذات السمو البشري، وإزهاق الباطل وإعادة الروح لجسد الأمة لذلك كان الأمر بطبيعته عظيما. فعل فيها المنافقون الكثير والكثير فاندمج الجهل بالفساد وحتى يدوم الباطل يحتاج لسيل جارف من الظلم والقهر والجور، لذلك أصبح تصحيح الأمر يحتاج حدثا جللا يستهدف ذاكرة الأمة وفعلا لا تنساه العقول، عمل يكون واضح الأثر بين خط الحق والنقيض منه؛ فكانت تضحية سبط رسول الله ﷺ بنفسه وعياله وأصحابه على أرض كربلاء هي أروع صور التضحية الإنسانية ويمكن تشبيه ما قام به الإمام الحسين كصيحة ونداء عظيم لوجدان الأمة الإسلامية أن معركة كربلاء ليست مجرد معركة بشكلها الظاهري كمعركة بين جيشين، وإنما هي معركة بين الحق والباطل معركة قامت من أجل ترسيخ كل معاني الرقي والسمو والخلق الإسلامي الرفيع وتثبيت وتجديد الرسالة المحمدية الحقة، وكان من نتائجها الانتصار المخلد للإمام الحسين - سلام الله عليه - نعم انتصار الدم على السيف فالمتأمل الحقيقة الأمر سيرى أن الحسين قد قتل ولكن واقع الأمر بعد ذلك ومن خلال الحقائق النيرة والتي هي جلية وواضحة والتي لا تقبل التحريف على الإطلاق في تلك الملحمة ملحمة العز والكرامة والإباء يجد أن الإمام الحسين قد انتصر من خلال تخليد ذكراه على مر العصور والأزمان.

ومن مظاهر الفوز الذي جناه بطل واقعة نينوى أن يشهد العالم كله إحياء ذكرى تلك المنازلة الأليمة القاسية الظالمة بكل تفاصيلها في أيام عاشوراء من شهر محرم الحرام وكذلك يشاهد العالم بأسره الملايين وهي تزحف نحو كربلاء المقدسة من جميع أنحاء العالم في يوم الأربعين أي يوم العشرين من شهر صفر وتتناقلها جميع وسائل الإعلام العالمية بدون استثناء لما يشكله ذلك التجمع المهيب من ظاهرة كونية فريدة من صنفها تتكرر في كل عام وهي تحمل رايات الحب والفداء لسيد الشهداء والأحرار الحسين بن علي بن أبي طالب . كما ألهم الدهر معاني الحق والعدل والخير فتجسّد الإسلام كله وبكل أبعاده في مواقف الحسين في تلك المعركة الباقية وكما قال الشاعر: «كذبَ الموتُ فالحسينُ مُخَلّدْ... كُلّما أخْلِقَ الزمانُ تجدَّدْ». فمنهجه هو منهج القرآن الكريم وسنة جده ﷺ. لهذا يقف القلم حائرا خجلا مطأطأ، فمهما سطر الكتاب من كلمات ومهما امتلأت أحشاء الكتب من سرد الأحداث وماجت المجلدات من الأبحاث والنظريات فلن يستطيع كائن من كان أن يعطي تلك الحادثة المستثناة حقها من العدل والإنصاف إلا الخالق جل في علاه.

السلام عليك يا أبا عبدالله السلام عليك يابن رسول الله السلام عليك يا خيرة الله وابن خيرته السلام عليك يابن أمير المؤمنين وابن سيد الوصيين السلام عليك يابن فاطمة سيدة نساء العالمين السلام عليك يا ثأر الله وابن ثأره والوتر الموتور السلام عليك وعلى الأرواح التي حلت بفنائك عليكم مني جميعا سلام الله أبدا مابقيت وبقي الليل والنهار يا أبا عبدالله ورحمة الله وبركاته.