الحسين: نظرة اسماعيليّة*
حسين بن علي كان حفيد النبي محمد من ابنته فاطمة [1] وابن عمه علي بن أبي طالب، يعتبره الشيعة إمامًا [2] بعد والده علي وأخيه حسن. كان حسين محبوبًا، ويعرف بأنه شهيد كربلاء؛ الرجل الصالح الذي ضحى بحياته وعائلته ”في سبيل الله“. أصبح موت الحسين، وما أعقب ذلك من حزن شديد عند المتعاطفين معه، والتفافهم حول الدعوة للانتقام لمقتله، حلقة الوصل بين المشاعر والهوية لدى الشيعة.
ولد حسين في المدينة المنورة عام 626م، وكان في السادسة من عمره عندما توفي جده محمد ثم والدته فاطمة. تؤرخ الأعمال التاريخية عدة حكايات عن ولادته وطفولته، معظمها يتعلق بحب جده محمد له، وتسجل مجموعات الحديث تمجيد النبي للحسنين، مثل ”الحسن والحسين سيدا شباب الجنة“، ويشير الانتشار الواسع لهذا الحديث، وغيره من الأحاديث المماثلة، إلى مكانة حسين العالية في المجتمع الإسلامي الأول عمومًا، [أمَّا] الشيعة يفسرونها دليلًا على امامته.
عندما أصبح علي الخليفة عام 656م وغادر المدينة المنورة إلى العراق لإخماد التمرد الذي أدى إلى معركة الجمل، رافقه حسن وحسين. بعد وقت قصير من وفاة علي عام 661م، تنازل حسن عن الخلافة لمعاوية، وعادت الأسرة إلى المدينة المنورة. عندما توفي حسن عام 670م، أصبح حسين ”البطريرك الهاشمي“ [3] ، واستمر «مثل حسن من قبله» في العيش بهدوء كشيخ قرشي في المدينة المنورة.
في أبريل 680م، توفي الخليفة الأموي معاوية بعد أن عين ابنه يزيد خلفًا له، ورفض الحسين «مع قرشي آخر، عبد الله بن الزبير» مبايعة يزيد وغادر المدينة إلى مكة، الملاذ الآمن. في مكة، تلقى رسائل متكررة من قادة كوفيين، يطالبونه بتأكيد قيادته الشرعية، ويعدوه بتقديم الدعم إذا فعل. الكوفة، باعتبارها العاصمة السابقة لعلي، كانت موطنًا لتَّعاطف مع العلويين على نطاق واسع. على الرغم من الشكوك التي أعرب عنها بعض أهله القرشيين غير المتأكدين من دعم الكوفيين، أرسل الحسين ابن عمه مسلم بن عقيل لِتَسَلُّم مبايعة الكوفين نيابة عنه، وبعد ذلك بوقت قصير انطلق هو نفسه نحو العراق.
في 2 أكتوبر 680م، حاصرت القوات الأموية الحسين وجماعته الصغيرة في سهل كربلاء الصحراوي، ومن من المفارقات أن الفرق الأموية حوت العديد من أنصار الكوفة السابقين لحسين. في السابع من الشهر، نشروا وحدات عسكرية لمنع وصوله إلى المياه، وفي اليوم العاشر، المسمى ”عاشوراء“، قتل الأمويون 72 رجلاً من مجموعته، وفيهم أبناؤه وإخوته، وفي النهاية قتلوا حسين نفسه. ابن الحسين، علي زين العابدين، كان الذكر الوحيد البالغ الذي نجا، ووفقًا للتقاليد الإثنا عشرية والإسماعيلية، أصبح الإمام الشيعي التالي. قام الأمويون بسجنه هو ونساء الأسرة وحملوهم إلى الكوفة ثم دمشق، ثم أطلقوا سراحهم بعد بضعة أشهر ليعودوا إلى ديارهم في المدينة المنورة.
صدم مقتل الحسين في كربلاء الأمة الإسلامية، وخاصة الشيعة الكوفيين، الذين استيقظوا على دورهم في وفاته، فاجتمع أربعة آلاف منهم «عرفوا بالتائبين» بالتعهد ب ”الانتقام لدماء الحسين“. بكوا في مناحة جماعية عند ضريح الحسين في كربلاء، ثم تقدموا نحو دمشق. اشتبك الأمويون معهم بقوة كبيرة في عين الوردة بالقرب من الحدود الشامية وقتلوهم، باستثناء عدد قليل.
بعد ذلك بوقت قصير، قام زعيم كوفي آخر يدعى المختار الثقفي «الذي ادعى أنه يمثل الأخ غير الشقيق للحسين، محمد بن الحنفية» ببناء ضريح مقبب فوق قبر الحسين وبنى مسجدًا في الموقع. وبحسب ما ورد من أخبار أعدم آلاف الرجال المتورطين في حادثة كربلاء قبل أن يُحاصر ويُقتل هو نفسه. كانت هذه التعبئة المبكرة والرثاء الجماعي باسم الحسين حافزًا لبلورة المذهب الشيعي الرسمي، الذي تطور بشكل غامض حتى ذلك الوقت.
استمر الاستشهاد بالانتقام لمقتل الحسين في الانتفاضات الدينية السياسية في القرون القليلة التالية، كما هو الحال في ثورات العباسيين والفاطميين. ولكن، بعد غيبة الإمام الثاني عشر وإخفاء الإمام الفاطمي الطيبي [4] ، أعيد تشكيله كعهد [5] يتم الوفاء به على يد المهدي في نهاية الزمان.
على مر القرون، أصبح إرث الحسين - اسمه وضريحه وإحياء ذكرى استشهاده - حجر الزاوية في ”التقوى الشيعية“ «التدين الشيعي»، وتطور مرقده في كربلاء إلى موقع جغرافي مهم للمشاعر الدينية الشيعية. قام الحكام الشيعة المتعاقبون، بما في ذلك البويهيين في القرن العاشر والصفويين في القرن السابع عشر، بتوسيعه على نطاق واسع، وتوافد المخلصون إلى هناك، معتبرين زيارة كربلاء في المرتبة الثانية بعد الحج إلى مكة. كما قام البويهيون ببناء مدينة كربلاء حول الموقع، وفي الوقت المناسب مع النجف «موقع ضريح علي»، أصبحت كربلاء مركزًا رئيسًا للبحث والنشاط الشيعي في العراق، كما أصبحت ذكرى وفاة الحسين في ”عاشوراء“ مكانًا زمنيًا مهمًا للإخلاص الشيعي، كوقت لأداء مراثي إثارة وخطب تحريك عواطف.
قام الفاطميون في القرنين العاشر والحادي عشر برعاية تجمعات حداد في مصر، ولاحقًا أقام الصفويون طقوسًا في بلاد فارس مثل مسرحيات العاطفة «تعزية»، وضرب الصدر، والجلد بالسلاسل.
لا تزال النصب التذكارية للحسين [6] تلعب دورًا رئيسيًا في إظهار الهوية الشيعية في القرن الحادي والعشرين في إيران والعراق ولبنان، وكذلك دول في جنوب ووسط آسيا وأماكن أخرى حيث يقيم المسلمون الشيعة بأعداد كبيرة. ولا تزال ذكرى الحسين بصفته ”حفيد الرسول“، والإمام الذي ”تَحَمَّل بشجاعة القمع في كربلاء“ و”أمير الشهداء“ [7] ، تتغلغل في الوعي الشيعي وتدعم نظرتهم إلى الحياة والموت.