آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 5:35 م

حديث الروح «7»‎‎

ياسين آل خليل

كوننا كائنات بشرية اجتماعية، من طبيعتنا التواصل فيما بيننا ومشاركة الناس مشاعرنا وأفكارنا. مع تقدم الإنسان تطورت وسائل التواصل، لكن بقيت اللغة اللفظية المتعارف عليها، هي المحور الأساس لنقل المعلومة والتعبير عن مختلف حاجات الإنسان اليومية.

يعتبر التواصل اللفظي عبر لغة مفهومة، من أكثر الوسائل المتاحة تداولا بين الناس وذلك لنقل المعرفة وتبادل الخبرات، اضافة الى ما تمتلكه من تأثير مباشر على عواطف الناس وسلوكياتهم. هذا بطبيعة الحال لا يدعونا كبشر أن نتنكر إلى أهمية التواصل الغير لفظي. فمن أهم وأكثر الوسائل الغير لفظية تأثيرًا هو الصمت. والصمت في كثير من الأحيان يتعدى تأثيره تأثير اللغة الكلامية، بل يتعداه ليصل في بعض المواقف الى مستوى هو أبلغ وأفقه من أن توصله مفردات أي لغة عرفها الإنسان.

المحظوظين من الناس لم يكتسبوا صفة الصمت بين ليلة وضحاها، بل أخذوا على عاتقهم سنين عديدة من التدريب والممارسة الحثيثة حتى وصلوا إلى مبتغاهم. هذه العينة الذين اصطفاهم خالقهم بهذه الميزة وتعرفوا على أهميتها وقوّتها عن قُرب، ارتاحوا لنتائجها فانعكست عليهم هدوءًا وطمأنينةً. أما الذين آثَرُوا لغة الكلام على حكمة الصمت، لجهلهم بمكانتها وخصوصيتها، فأقول لهم مازال أمامكم فرصة لتتعلموا شيئًا عن خفايا تلك اللغة، لما لها من أهمية في عالم يعج بكل ما هو فوضوي وما هو مدعاة للتوتر الذهني والجسدي.

«صمت تحكمه حكمة خير من حديث يتكئ على كلمات لا معنى لها. الصمت لا يعني بالضرورة موافقتك الإيجابية على ما يحدث أمام عينيك ومسمعك، لكنه إجابة وافية تحمل الكثير من الردود البليغة لأسئلة قد تعجز الكلمات عن إيجاد الحل الناجع لها.» مقطع من مقالة حملت عنوان ”صمت الحكمة“

مقطع آخر من نفس المقالة «امتناعك عن الرد في كثير من الأحيان يوصلك إلى القناعة بأنك بصمتك هذا قد قلت كل ما تريد قوله. الصمت في الواقع هو أعلى وأقوى نبرات الصوت التي يُمكنك إيصالها عندما تشعر أن الطرف الآخر لم يرتقي ليفهم لغة الكلمات. محافظتك على هدوئك وعدم انْجرارك إلى الصراخ يجعلك أكثر قدرة على الإصغاء وأبلغ حكمة في الرد.» لو راودتك الرغبة في قراءة المزيد، تفضل بزيارة هذا الرابط:

https://jehat.net/?act=artc&id=29661

الصمت لم يكن في وقت ما حالة مجردة من غياب الضوضاء، بقدر ما هو ظاهرة طبيعية ومصدرًا للطاقة الإبداعية، بل هو كذلك. لذا يجب علينا جميعًا التوجه للاستفادة من هذه الطاقة التي لا تكلفنا الكثير وتوظيفها في مُداخلاتنا وتفاعُلاتنا المُتعددة مع الآخرين.

الصمت طاقة متعددة المهام والمنافع. فمن ناحية تمنحنا فرصة الاستماع إلى أصواتنا الداخلية والتعرف عليها. ومن ناحية اخرى، تتيح لنا إنقاذ عقولنا من الأفكار العبثية الهدامة والقضاء على كل ما ينضوي تحت مسمى الضوضاء الذهنية. بتبنينا لهكذا رؤية، نجعل عقولنا أكثر هدوءًا، وبالتالي نهيئ أنفسنا للعمل بكفاءة ودراية.

في عالم يسوده الصخب والضوضاء، بات على الواحد منا أن يجعل من الصمت هدفًا أساسيا في حياته اليومية. فكلما تمكنا أن نكون أكثر هدوءًا عقليًا، كلما كان باستطاعتنا حل العديد من مشاكلنا الحياتية وإيجاد طرق إبداعية للقيام بمَهامنا البسيطة والصعبة على حد سواء.