يوم اعتيادي آخر 7
”أنا بيني وبينك“.. يصرخ في المقهى وهو يحدث صديقه.. هو همس كالصراخ.. صدى صوته يملأ المكان.. يضرب بقطعة من اكسسوارات المنضدة وهو يشرح.. يمد في حروفه دلالة عن جدية القصة.. الآخر يهز رأسه بنحو بطيئ.. ربما ثقل الشماغ هو من يحرضه على ذلك... داخل محل الملابس المجاور تتكئ الموظفة على رف أدوات التجميل لترسل رسائل العيد، وفي الطرف الآخر عامل ركن مكنسة التنظيف ليقلب مقاطع الفيديو في جواله.. المجمع فارغ إلا من صوت حذاء عامل الصيانة الذي بدأ ينفض الغبار عن سرواله فيما زميله يعيد تهيئة السلم للصعود ثانية وتركيب لوحة إعلانية جديدة.. المجمع نصف مفتوح في هذه الظهيرة، أجواء العيد يمكن الإحساس بها بنحو مختلف.. حيث يختار الباعة الاستراحة بعد ليال مارثونية كان الناس فيها يزحفون كمن للتو اكتشف موعد العيد.
رائحة الشموع العطرية تفوح من محل يتغزل العدد الضئيل من الزوار.. لعله اختار المغامرة واصطياد المتسوقين المتأخرين في لحظة غياب المنافسين.
رجل بمسبحته يجتهد في استكمال خطوات العافية.. كتفه المائل يحكي عن ميلان العافية في أواخر العمر.. طفل بالطرف الآخر يستريح مع والدته بعد جولة تسوق ثقيلة في الهايبر ماركت.. امرأة تضع يدا على طرف العربة واليد الآخرى على خدها وهي ساهمة.. تتنظر بلوغ للنهاية على السلالم المتحركة.
تسأل رجل الأمن الذي جعل منك مشجبا لنظراته: هل سيفتح هذا المحل.. فيرد: إنها الصلاة.. 40 دقيقة مرت على أذان الظهر.. أكرر السؤال: هل فتحوا صباحا.. فيجيب نعم.. خلف زجاج البوابة رجال ينتظرون تطبيق توكلنا أن يتنشط تحضيرا للدخول.. مازال أحدهم عاجزا عن انعاشه.. يفاوض رجل الأمن الذي يحاول تشجيعه على الصبر والانتظار إلى حين ترد لهذا التطبيق الروح.
أكملت الآن 2000 خطوة من المشي من غير قصد، فقط لأني أبحث عن محل ابتاع منه سلة صغيرة، تذكرت حاجتي لها وأنا أبحث عن قطعة بالمطبخ، قطعة صغيرة تشبه الفراغ الذي كنت فيه وقت الظهيرة.
وأنا أتحضر للخروج سألت رجل الأمن الآخر في البوابة الأخرى عن محل موصد هو الآخر فأجاب: مواعيدهم مش مزبوطة، قد يفتحون عند الرابعة، وربما الساعة الواحدة، ثم أعطف قائلا: هنالك فرع آخر قريب، أرخص وأرتب، لا تنتظرهم.
مازال الاثنين في المقهى يتحاوران، قهوتهم بردت، وحكاياتهم لم تزل ساخنة، انفتح الباب وخرجت لأكمل البحث تحت أشعة الشمس عن سلة لتصريف ما تبقى من الوقت، في يوم يشبه الرمق الأخير من العيد.