آخر تحديث: 27 / 12 / 2024م - 3:50 م

لغة أهل المريخ

عصام المرهون

نشأنا بجيل مخضرم يعقب اجيال تكميم الأفواه والانصياع للأوامر دونما أي اعتراض، كان جيل مكتنز بكثير من الآراء المتطرفة والمتزمته دينياً ومجتمعياً.. إلى جيل لبس على عاتقه وشاحاً بعنوان «الحوار المتحضر».. أختفت العصى من الصف المدرسي، والخيزرانه من يد الأب، وبدأنا نربي أطفالنا على حرية التعبير والديمقراطية في اتخاذ القرار.. وكان ذلك بكل فخر منعطفاً بالمسارالصحيح لا يخلو من بعض الأثار الجانبية السلبية غير المقصودة.

أحد ركائز التباعد والتشاحن بين أفراد المجتمع.. هو انعدام وجود لغة مفهومه للحوار، ترتكز على ممارسة فن الإنصات وأسلوب الفهم الحقيقي لمفردات الآخرين، وذلك بالطبع يرجع للعديد من القناعات الخاطئة التي نتقلدها ونتعصب لها بروح قتالية، إما من خلال قناعاتنا الشخصية أو ما استقيناه من عادات وأعراف مجتمعية متخشبة.. والتي للأسف قادتنا اليوم لمجتمع متنافر تكثر فيه العلاقات الهشة الركيكة، والعزوف الكبير من قبل الجنسين للدخول في علاقات جدية منفتحة على الآخر، والتكتل في محدودية الجماعات المنغلقة والمعادية لكل من يعترض معاييرها وقيمها.. إلى ازدياد نسب الطلاق بأرقام خيالية، وتبلور وانتشار أفكار جديدة من العزوف عن الزواج والصراع مع الجنس الأخر، وكأننا مخلوقات مختلفة كالإنس والجن.. ولسنا من نفس السنخ والفصيلة.. يُكّمل أحدنا الآخر أو نكون سخرياً لبعضنا البعض.

ذكر د. جون غراي في تحفته - حينما التقى أهل المريخ وأهل الزهرة لأول مرة واجهتهم مشكلة في التفاهم لأنهم كانوا يتكلمون لغتين مختلفتين «بنفس المفردات ولكن بأختلاف المعاني في كل لغة» لكن علاقتهم كانت مبنية على الثقة وتقبل الآخر لذلك وبكل رحابة صدر كانو يراجعون قواميس المعاني للفهم الصحيح لمعنى كلام بعضهم البعض، ويلجأون للمترجمين في حال الحاجة لذلك.

وعلى ما يبدو أن أحد سمات العصرالحديث هو إحداث فرق في اللغة حتى بين المريخيين والزهريات بينهم وبين بعض، الشيء الذي يأخذنا إلى إلحاح الحاجة لتلكُم القواميس والمترجمين لفهم المقصد الحقيقي لمفردات كلام الآخرين قبل التسرع بالحكم وقراءة لغة الجسد والألفاض بشكل مغاير عما قُصِدَ به.

يقول الحبيب المصطفى ﷺ ”إن من البيان لسحرا“.. فقط لو نقتني طاولة للحوار نجلس حولها بهدوء لمناقشة أي الاختلاف بيننا وبين الآخرين.. ليس من الضروري ببيانٍ لبقٍ ومنمق.. ولا من المهم أن يكون الغرض منه هو الوصول إلى اتفاق، فلتكن الآراء والقناعات مختلفة.. لكن الأهم أن يعبر كلٍ عنها بحريه ويفهم كلٍ مِنا الطرف الآخر.

وفي ظل عصر الانفتاح الكبير الذي نعيشه اليوم واتساع أفق التوجهات والقناعات والمُثل - أخشى أننا نعيش أزمة أخلاق - أزمة في تقبل عيوب واختلاف الآخرين والتعامل معها بذات الحب والمودة التي نطلب من الآخرين فعلها معنا - وهذه أحد الخصال التي لا تتوفر إلا بالنفوس النقيه ذات الخُلق الرفيع، إذا ما تجردنا من صراع السلطة الذي نعيشه وما نرنو له من فرض آرائنا وقيمنا وقناعتنا على الآخرين، والتطبع بالندية والعداوة لكل من يخالفنا.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
S
[ ????????? ]: 19 / 7 / 2021م - 5:42 م
جميل جدا وصف الماضي والحاضر
وكاني اشاهد فيلم عن الحياة الماضية والحياة في الوقت الحالي

وكيف كان التعصب وعدم تقبل راي الطرف الاخر وخصوصا ازا كانت من النساء
وكيف اصبح الحال الان جميل جدا ذكر للتطور في تربية الاولاد واعطاهم حرية اكبر
وكيف اختلف التعليم عن الماضي جميل جدا ان تخشى ازمة في اختلاف الثقافات بين جيل الماضي والحاضر بس الاختلاف راح يكون في الراي فقط بالتوفيق اخي الكاتب استمر في طرح مواضيع اكثر