آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 8:43 ص

الحسد بعيون الفلاسفة

ليلى الزاهر *

جميل هو عالم الفلسفة بكل أبعاده والفلاسفة معاشر قومٍ يجدون مليون تفسير لظاهرة واحدة، ويمتلكون سُلْطةً كتابية قوية يستقطبون بها نخبا كثيرة في الأوساط الاجتماعية.

والفيلسوف الاسكتلندي ديفيد هيوم أحد هؤلاء الفلاسفة الذي تناول سيرة الإنسان وأفاض في الحديث عن الطبيعة البشرية فأرجع سلوك الإنسان وأحاديثه المتكررة إلى الطبيعة الأخلاقية الصادرة من انفعالاته ومشاعره، فمن أحبّ شيئا بالغ في ذكره.

يقول هيوم:

«لا يتولد الحسد عن التباين الشديد بيننا وبين الآخرين، بل على العكس، الحسَد وليد التقارب»

إنّ الحسد بلاء عظيم يسلب الإنسان حسناته، ويسرق راحته من حيث لايعلم ويجعل ثواب أعماله الصالحة هباءً منثورا، والمؤمن يعرف كيف يجمح ُ نفسه الأمارة بالسوء إذا سوّلت له السير خلف المرديات، فكما يغضّ بصره عن الحرام، يغضّ بصرَه عن نعم الله على الآخرين

ويرى نِعمَ الله على عباده خطّ أحمر لا يتجاوزه، فالواهب، والمعطي هو الله تعالى ولا شأن له بقوانين المنع والعطاء الإلهية.

فهناك الكثير من الناس يتبلد فهمهم عند نقطة المقارنة، ويكتوون بألم فقر الماديات، وينسون بركات الله، فيقطّبون جباههم، إذا أصبحوا وقد تغشاهم رداء الحرمان؛ بل ويغمضون أعينهم عن كل نعمة يتقلبون فيها.

إنهم يعيشون سخف الهازئين بنعم الله لايرون أنهم: يتنفسون، يتحركون، يلتذّون، يضحكون، لم ينهكهم المرض، ولم يُلقهم في دائرة أوجاعه.

وفي حقيقة الأمر جميعنا فقراء لله تعالى أتعبنا فقر المال، أو فقر الأخلاق، أو فقر الذريّة، أو فقر العلم.

يقول الله عزّ وجل في كتابه الكريم:

﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ فاطر «15»

غير أنّ علاج الفقر لن يكون بالنظر إلى ماعند عباد الله تعالى من أرزاق، بل بطرق أبواب الرزق والدعاء.

اسمح لي يارب أن أضع رأسي في أحضان السجود، أطلب ما أريد، سوف أطوي ركبتيّ، وأنعم بتنهيدة عميقة، أتأمل مناكب الأرض اليانعة التي أمرتنا بالمشي فيها، سوف أكتفي بأنّ أقول: يارب

ماعند جميع الناس ينفد وماعندك باقٍ لازوال له ولا اضمحلال.

أما ماذهب إليه فيلسوفنا هيوم عندما قال:

«لا يتولد الحسد عن التباين الشديد بيننا وبين الآخرين، بل على العكس، الحسَد وليد التقارب»

فبحسب الطبيعة البشرية سوف تضمن وجود الحاسد بين أقربائك الخلّص وبين بعيدي النسب عنك فهذا أمرٌ فطريّ عند من يضع تحرّكات الناس تحت المجهر.

فالحاسد الغريب عندما يسمع عنك سوف يحزن لنعم الله عليك، وربما كان قريبك الحاسد له نفس التصرف.

فأقاربك ليسوا كإخوة يوسف، وأحداث حياتك ليست كأحداث قصة هابيل وقابيل. ومما لاشك فيه فإنّ الحسد موجود منذ بدء الخليقة وهو طبيعة شرسة في النفس التي جُبلت على الشر.

ومن باب كل ذي نعمة محسود، تحصّن من أعين القريب والبعيد على السواء بذكر الله تعالى وداوم على قراءة القرآن الكريم بحب ويقين لا في وقت حاجتك فقط.

فالحسد لايقتصر على المحروم بل يشمل قليل القناعة والذي لا يمكن أن يشبع حتى لو كانت ثروته ملء السموات والأرض.

لا تشر ْ بأصابع الاتهام لأقربائك، قد لاتعرف قيمة لاجتماع عائليّ، ولا تُقدّر جلسة إخوانية إلا عندما ترحل عن وطنك، أو يرحل أحد أقربائك عن الحياة. فالنّحلة تعودُ مُحمّلة بالعسل رغم أنّها تجد الأشواك في كل وردة تقابلها.