من أجل حماية الناس من شفرات الإعلانات
حتى في الإعلانات، هنالك دستور أخلاقي يحكمها، يحدد لها ما يليق وما لا يليق، ما هو مسموح وما هو ممنوع، خاصة وأنها من أدوات التأثير على سلوك الناس وطرق تفكيرهم، لذلك تعمد الدول إلى وضع ضوابط وقواعد تحافظ من خلالها على تماسك المجتمع وسلامته، كحظر الإعلانات التي تتضمن تحيزا عنصريا، أو إثارة عرقية، أو إساءة جندرية، أو تحمل ضررا صحيا، أو تحرض على انحراف أخلاقي، وغيرها من العناوين التي تدخل في باب الأخلاقيات.. تتسع دائرة الأسئلة الأخلاقية وتضيق من بلد لآخر، لكنها تبقى دائرة قائمة وحاضرة ويجري التعامل معها بكثير من الجدية، وذلك بغرض دفع الضرر الناتج من الإعلانات، ففي بريطانيا مثلا يجري حضر الإعلانات المحرضة على تناول الوجبات السريعة كإجراء لحماية الأطفال والمجتمع عموما، كما منعت قبلها الإعلانات التي تحمل تحيزا جندريا، وكذلك صنعت النرويج وهي تقر قانونا يمنع الإعلانات التي تستهدف الأطفال دون سن الثانية عشرة، كما تحضر الكثير من الدول ومنها السعودية الإعلان والترويج للسجائر في مختلف قنوات النشر والتواصل.
هذا الحس من المسئولية التي تبديها الحكومات، يبنغي أن يقابله ممارسة مسؤولة من قبل الشركات والمؤسسات لتعزيز القواعد الأخلاقية القائمة في في قطاع الأعمال، وبالتالي أنشطة التسويق والترويج، فهي تندرج ضمن المسئولية الاجتماعية لأي مؤسسة، قبل أن تكون واجبا أخلاقيا، ونظاما ملزما، في هذا البلد أو ذاك، وعليه ننتظر من أي إعلان يصدر من هذه الجهة أو تلك أن يأخذ في الاعتبار الرسالة التي يقدمها والطريقة التي يؤثر فيها على المستهلكين والزبائن.
مناسبة هذا الكلام هو الإعلان الأخير لأحد المقاهي المعروفة بالمنطقة والذي يعرض لصور شاب يحاكي فيها واحدة من شخصيات مسلسل أجنبي شهير، شاب في كامل أناقته واندماجه في طقس إشعال سيجارته ومعه كوب قهوته على الطاولة، صورة تقدم إشارات صريحة وأخرى مبطنة يصبح فيها التدخين قرين القهوة كما هو الدارج في أذهان المدخنين، وتصبح السيجارة متمما لأناقة الرجل وصورته المثالية.. قد لا يلتفت مصمم الإعلان لهذه الرسائل لأنه مشغول بنسخ اللقطة بتمامها من المسلسل إياه، غير أنه يذهب بقصد أو بغير قصد لموضعة السيجار على قائمة أكسسورات الأناقة والرقي كما هو الحال في الإعلانات التقليدية أبان الستينيات ومابعدها.
قراءة الشاب المراهق لهذه الصورة تختلف عن قراءة الرجل الراشد، وقراءة المدخن تختلف عن قراءة غير المدخن، إلا أنها في النهاية تضفي قيمة للسيجار، وتقدمه ضمن الإعلان عن القهوة، وتؤسس لصورة ذهنية يتشارك فيها الإثنين، وبالتالي تجعل من التدخين سلوكا عصريا، متناغما مع موجة القهوة واتساع دائرة المتولعين بها.. أن يكون المصصم بريئا من نوايا التحريض على التدخين لا يكفي للقبول بهذه الصورة والتسامح معها، خاصة وأن أكثر المرتادين للمقاهي هم من فئة المراهقين والشباب ممن يستقبلون هذه الرسائل بكثير من التفاعل والجدية.
لا نريد الحديث عن أضرار التدخين فهو حديث مملل لأن الناس على دراية كاملة به، لكننا نريد أن نتحدث عن ضرر الإعلانات غير المنضبطة وفق الأخلاقيات الإعلانية، وأن نشدد على أهمية الالتفات إلى البعد الأخلاقي لعملية التسويق، لكي لا نقع في المحظور، ونقدم رسائل مضرة للمجتمع، دون أن نعي، أو دون أن نهبها فرصة لإعادة التفكير.