قصة قصيرة
حظ الورد
في بيت «نورهان» تفتح السعادة ذراعيها لتحتضن كل من حضر يشاركها حفل عيد ميلادها.
تبدأ رحلة الفرح بتقدّم «نورهان» لإطفاء الشموع، وتقطيع الكعكة المزيّنة بصورتها طفلة، ثم ترتفع الأهازيج، وتبدأ «منّوش» بالرقص على أنغام الموسيقى، فتلاحقها العيون، وتصفق لها الأيدي، وفي الأثناء طفل يغتنم الفرصة ليملأ صحنه بالحلويات.
فجأة توقف كل شيء وكأن الحياة انطفأت، فقد سقطت «منى» وأصيبت بتشنج في أطرافها، وتدفقت بعض العصارات من فمها.
تم نقلها للمستشفى القريب، والقلوب تحيط بها، والعيون غرقت في دموعها قلقة عليها.
«منى» أو «منّوش» كما تناديها المقربات، شابة تقترب من الثلاثين، تحب الحياة، وتعيش الفرح وتزرعه أينما حلّت، ليست بالطويلة ولا يشكل لها ذلك أي مشكلة، عكس «نورهان» التي يسبب لها طولها مشكلة، وخصوصاً في حالات المعاكسات، كأن تسمع شاباً يقول: ”هوه برج التليفزيون بيمشي في حيّنا ليه؟“.
ارتبطت «منى» و«نورهان» بعلاقة مدرسية، امتدت لترتادا نفس الجامعة، فأصبحتا على علاقة وثيقة ك ليلة النصف واكتمال القمر.
تم إحالة «منى» لمستشفى الأورام بعد أن اتضح أنها تعاني من ورم في الدماغ سبب لها الإغماء.
في حديقة مستشفى الأورام، وعند تقاطع اليأس مع الحياة، رقص قلب «منى» وهو يراقب «رضا» يتوجه لها للمرة العاشرة هذا الشهر يحمل بين يديه ياسمينات كقلبه بيضاء، وعطرة كأخلاقه، ووضعها بين يديها، ثم مد وردة لـ «نورهان» وهو يستأذنها ليدفع الكرسي.
«نورهان» الصديقة الوحيدة التي كانت تأتي كل يوم قبل بزوغ قمر «رضا» لتسلي «منى» وتقرأ لها، وتنقل لها أخبار العالم خارج أسوار المستشفى، ثم جاء «رضا» ليغير كل أرقام المعادلة، وترجح كفة الشاب الأسمر ابن عامل الحديقة، فهو شاب لطيف، دائم التبسم، يشع بالإيجابية، وقد انتقل من «المحلة» للسكن مع والده وليساعده في تجميل الحديقة وقت فراغه القليل كطالب جامعي، متخلياً عن حلمه أن يلعب لنادي «غزل المحلة».
لم يكن «رضا» يدفع الكرسي بين الأشجار، ويستمع لأحلام «منى» وآلامها فقط، بل كان يدفعها للعودة للحياة بعد أن ظنت أنها في خريفها، ويضمّد جراحها بحديثه الرقيق، ويصلح كسورها بقصصه اللطيفة.
تغيرت «منى» وبدأت تزهر أيامها، وتقبّلَ جسمها العلاج، وقلّت التشنجات التي كانت تصيبها، وبدأت تعتني بما بقي من شعرها، وتنظر للمرآة قبل خروجها للحديقة، وتضع وشاحاً على كتفيها، وتزداد سروراً كل مرة تذهب للحديقة.
تلقت «نورهان» اتصالاً يخبرها أن «منى» تعاني من تشنجات قوية وأن جسدها يرفض التجاوب مع العلاج.
فقد كانت «منى» تجلس في ردهة المستشفى، وسمعت في التليفزيون عن وقوع انفجار إرهابي على باب الجامعة قُصِد به أحد أساتذتها، وقد توفي عدد من المارة، ثم سمعت إحدى الممرضات تخبر أخرى أن العامل الذي يعتني بحديقة المستشفى غادر لأن اتصالاً ورده يقول إن ابنه أحد ضحايا الانفجار.
وصلت «نورهان» إلى المستشفى لكن روح «منى» لم تنتظرها وفارقت جسدها النحيل تبحث عن روح «رضا».