آخر تحديث: 27 / 12 / 2024م - 3:50 م

تغابى مرتان

عصام المرهون

قول وليم شكسبير ”التدقيق في أتفه التصرفات قد يهوي بك إلى الجنون، لذا تغافل مره وتغابى مرتان“

ما ومَن يجب علينا أن نتغافل عنه «نحقره»؟ اعتقد لو طرحنا هذا السؤال على أي أحد مهما كان مُستوى فطنته وذكائه سوف يسرُد لك بِحكمةٍ بالغة الأشخاص الذين نحتاج أن نتغافل عنهم والأشياء التي يحب أن نُكبر أدمغتنا عنها ونقابلها بغباوة، وذلك أمرٌ حسنٌ للغاية - السؤال الأهم - ما الذي يجعلك مُصراً على إبداء الاهتمام بهؤلاء الأشخاص وهذه الأشياء؟.. لا تنفك السؤال عنها ومتابعة أخبارها وحساباتها على قنوات التواصل الاجتماعي - الجواب «بفهاهة الفم المفتوح» - لا أعلم لماذا!! - وهذا يعكس ماذا؟ - وضع صحي متدهور، مزاج متعكر على الدوام، عدم الرغبة في الاهتمام بصحةِ الأكل والنوم والحركة، عدم إحراز أي تقدم على صعيد تنمية الذات وتنمية أواصر العلاقات مع العائلة والمجتمع، ضعف الإنتاجية على الصعيد المهني.. وقد يصل الحال أن يتحول إلى عالة على من حوله وعلى المجتمع، موجود بعدم وجود أي فائدة.

سُئل أعرابي من أذكى الناس؟ قال ”الفطنُ المُتغافل“ فللحفاظ على صحتنا العقلية والجسدية نحتاج جميعنا لتنمية وتطوير ”فن التغافل“ لدينا بكل الأمور التي تهمنا وتأخذ حيز من وقتنا وتفكيرنا وجهدنا، نحتاج لوضعها على ميزان - هل نتعامل معها بصراحة أم باستغفال؟ الأمر بكل بساطة يتمحور في ثلاثة محاور رئيسية سواء قِبال الأشخاص أو الشؤون الأخرى لإعطاء هذا الشخص أو الأمر وزنه الحقيقي:

1 - هل يمكن تغييره؟

2 - هل يمكن لك أحتماله؟

3 - هل يحدث بصورة متكررة أم نادرة؟

وهذا ينطبق على الأشخاص القريبين والذين يهمنا وجودهم بحياتنا منسجمين متناغمين - أزواجنا وأبنائنا وبنو قرابتنا وأصدقائنا كما وينطبق على الأشخاص الذين انتهت علاقتهم بنا واعدائنا أيضاً.. كما هو الحال بشؤون كثيرة بمجرى حياتنا.

مثال بسيط - يستفزني كل يوم - الاهتمام بالطقس وارتفاع وانخفاض درجات الحرار! لم أستطع أن أفهم ميزة واحدة للإهتمام بهذا الشأن، وأخبارُهُ التي تعُج بها كُل وسائل الأعلام يومياً عن ما وصلت له درجات الحرارة في حارتنا وفي الأقاليم الأخرى بشتى بلدان العالم!.. نعم - عرفنا مستر غابرييل فهرنهايت بالمقاييس الدقيقة كل ذلك.. وماذا بعد؟.. وماذا بعد غير إقلاب الحالة المزاجية إلى التكدر.. لا شيء يستحق استنشاق طلق الهواء الخارجي.. ولا الاستمتاع بزُرقة السماء.. ولا بتلألؤ انعكاس أشعة الشمس على صفحات مياه البحر.. ولا بمتعة طعم فاكهة الصيف اللذيذة «والحبحب» التي نبتلعها كل يوم.

بل على العكس من ذلك تماماً - إزدياد مستوى الحنق على ما ابتلانا به الله من هذا الطقس «اللاهوب».. والغبط لأولئك المستمتعين في أجواء إقليم أبهاء والسوده.. والسخط على الوضع المادي السيء الذي نعيشة ونحن نتابع المشاهير الأثرياء وهم يتبجحون في بلاد الله الواسعة ذات الأجواء الجميلة والطبيعة الخلابة.

الانسياق والتدفق مع الركب ما هوَ إلا قلة عقل، والفطنة مقابلة هذا الهُراء كُله بالتغافل عنه والاستغباء قباله.. سامِح أعدائك أو أوكلهم إلى خالقهم.. اقطع دابر الاهتمام بشؤونهم.. ركز بعلاقتك بمن حولك.. قدم التنازلات.. وترفع عن الاهتمام بتوافه الأمور وصغائرها.. صب مجهودك بما يطور وينفع أهلك ومجتمعك.. وعش ما قسم الله لك بهذه الحياة سعيداً حامدا.