في نعي هوامش القراء في الصحف اليومية
إذا كنتم مثلي ممن يدأب على متابعة الصحف اليومية، عبر مواقعها الإلكترونية، يقلبها ظهرا على بطن كطقس من طقوس الثقافة القديمة، فلربما لاحظتم غياب التعليقات عن أخبارها ومقالاتها، لن تصل إلى شيء تقرؤه في نهاية الخبر كما تعودنا في مرحلة الصعود الأول لهذا الفضاء الجديد، لن تلمس رائحة معركة هنا أو هناك يقودها القراء في متاهة الأخبار الرياضية مثلا، أو على هامش مقالة سياسية، كل شيء انطفأ كأن شيء لم يكن.. صمت كسكون الليل يكاد يلف زوايا الصحف المحلية والخليجية.
حتى أن بعض هذه الصحف تخلت عن تلك المساحة التي كان يراهن عليها باعتبارها فسحة للحوار، وحرية التعبير، والتواصل مع الكتاب والمحررين، وأبدلتها بأزرار تسمح بالتقييم فقط، أو أزرار تحرض القارئ لنقل المقال أو الخبر إلى وجهات أخرى، لعلها لعنة الفيس بوك وتويتر وانستغرام، التي أخذت الناس ناحية الثرثرة في زواياهم الأثيرة، إلى التواصل الحي مع من يحبون ويتابعون، دون فواصل ولا رقابة، ولعلها موجة استنفذت أغراضها وأصبحت لا تثير في الناس الحماسة ولا التفكير حتى، أو لعلها عيون تبدي حرصها على حصار التعليقات ساهمت في هروب الناس منها.
أصابع الذين اعتادوا التعليق على الأخبار والمقالات، جرى سحبها أو حجبها، لا نعلم، لكننا ندرك بأن ارتعاشتها بالأمس كانت المؤشر على طبيعة التفاعل مع المواد الإعلامية، لم يعد مؤشر الشراء والتوزيع دالا اليوم، فلا أحد يبحث عن الصحف الورقية اليوم، لذلك سيطمع الكاتب بمثل ما تطمع الصحيفة بتفاعل الناس حول المنشور فيها، والذي سيكون أقصى ما ينال منه هو احصائيات تشير إلى عدد الأصابع التي مرت.
الكتابة في أصلها فعل تواصل وحوار، حتى من يكتب لإشباع غروره والتعبير عن رأيه، تتدافع في داخله الرغبة في الظفر بتعليق أو تعقيب أو حتى هجوم يذكره بأن للمقالة أو الخبر أو التقرير قيمة وأثر.. غياب التفاعل في الصحف اليومية يجعلها تراهن على منصات التواصل الاجتماعية الاخرى والتي تحاول جاهدة للصمود والوقوف فيها، في الوقت الذي تتعدد فيه قنوات الأخبار هناك ومساحات التعبير، حتى لتصبح الصحيفة الرسمية مجرد يلوذ به الناس للاطمئنان على سلامة الأخبار المتداولة.
والحاصل أن هوامش القراء في الصحف اليومية تتضاءل، تتلاشى، في الوقت الذي يتباهى فيه القراء بحريتهم في الفضاءات الأخرى، ومعها يشتاق أرباب الصحف وكتابها لو كانوا قشة في مهب العواصف الالكترونية التي تعرفها منصات التواصل الاجتماعي، لأنها من دونها مجرد ذاكرة جرفها سيل التكنولوجيا!.