آخر تحديث: 27 / 12 / 2024م - 3:26 م

”اليوم هو أول يوم فيما بقي لي من عمر“

عصام المرهون

”اليوم هو أول يوم فيما بقي لي من عمر“ عبارة ذهبية لوليام شكسبير تُرددها الألسُن كُل يوم، يا لِوقّعها من صدىً يُطنُ الأسماع.. ويُشِل حركة الدماغ..

بالفعل أبدأُ يومي هذا كما يجب عليَ أن أبدأه كل يوم بالامتنان لخالق السماء أن أفاقني من رقدتي في ذلك الليل البهيم.. ومنحني هِبةً عظيمةً لأعيش يوماً آخر من جديد.. ولكن كيفَ سأعيشه؟؟

سأعيشه كسائر ما مضى من أيام.. لا التفت لراحة ونعومة ذلك الفراش الذي أقلني ليلة البارحة، ولا لرقرقة الأكسجين الذي يتسلل من أنفي ويملأ صدري بالطاقة ولا أكادُ اُلاحظ عبق رائحة نسيم الصباح من حولي..

لا استشعر عظيم جمال النور الذي يخترق حدقة عيني ويحيي بصري.. ولا أكاد اُحس بدفء أشعة الشمس التي تتخلل مسام جسدي فتبعث به الروح من جديد..

لا التفت إلى أركان الدار ولا أتمتم كلمات الحمد لما منحني ربي من مأوى تتوفر به كل وسائل الراحة والأمان.. لا استدرك شُكراً لنعمة الماء المتدفق من خلال الصنبور وكيف هُيَّ لي توفرهُ بكل هذا اليسر والسهولة لأحممَ به جسدي وأغسل به وجهي، وبالمثل كيف هو طريق انصرافه بكل هدوء دون أن يترك أثراً أو رائحةً بالمكان..

لا أكاد أهتم لنعومة ورائحة المنشفة التي أجفف بها الماء عني.. وحين أقف أمام خزانة ملابسي الغاصة بأكوام الملابس الجميلة والأنيقة والمريحة اتنهدُ ضجراً بأن ليس لدي شيءُ لأرتديه!! بدلاً من شكر ما حباني به خالقي من نعمة ستر جسدي بما لم يتوفر لأجيالٍ وأجيال سبقوني بمئات السنين..

لا استشعر الراحة والسلامة التي يوفرها لي حذائي الأنيق.. ولا أكاد أُميز رائحة العطر التي أبُخها كل يوم.. لا أكاد ألقي نظرةً خاطفةً على جمال خضرة أوراق الشجر وبراعمها وأزهارها.. ولا أنصت ولو للحظة لصوت العصافير من حولي...

وتسير بقايا أحداث يومي على عادتها مملةً رتيبة، أُتقن فيه فن التذمر من كثير من الأشياء من حولي.. لا شيء يستحق الاهتمام لوسيلة المواصلات المتطورة والمريحة التي تقلني لمقر عملي ولا للطرق الوثيرة الممهدة للسير في أرجائها بكل سلاسة برغم ازدحامها..

ولو سألتني عن طعم الجبنة والزيتونة والرغيف الساخن لوجبة الفطور لعجِزت ذاكرتي عن وصفها.. لا أعير أي التفات لتصفح وجوه أحبتي وعائلتي وأصدقائي.. ولا استغل الفرصة السانحة للتمعن بجمال قلوبهم وأرواحهم من خلال بريق عيونهم وحركة أجسادهم، ولا أتذكر متى كانت آخر مرة شممت فيها رائحة عُنق ابنتي الصغيرة، ولعلني أعجز تفصيلاً عن وصف جميل لون عينيها...

هكذا للأسف سوف اقضي يومي الجديد دون أدنى إدراك لجميل نعم ربي ودون أدنى شعور كيف أعيشها واستمتع بها وأترك لها مساحةً لتملأ روحي وقلبي بهجةً وسعادة.. هكذا نحن تماماً أصبحنا اليوم نعيش في دولة بني آدم، اعتدنا كُل شيء... أحياء بلا شعور.. مبصرون عُمّي.. سماعون صُم.. مستنشقون كل ما هو عديم الرائحة.. ومتذوقون ما لا طعم له!!

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
S
[ ????????? ]: 26 / 6 / 2021م - 4:08 م
جميل جدا ذكر الكاتب للامتنان ابدع جدا في طرح الفكره اسلوب جميل اتمنى الاستمرار بالتوفيق
2
‏LAmaralsaud
[ Riyadh ]: 27 / 6 / 2021م - 6:33 ص
هل يوجد كتاب لصاحب المقال

‏“اعتدنا على النعم ، حتى أننا إذا سئلنا عن حالنا قلنا لا جديد!

‏فهل استشعرنا بقاء العافية ودوام النعم ؟ ”

‏- محمد الشعراوي