آخر تحديث: 26 / 12 / 2024م - 1:08 م

جامعة الممرات المتشابكة

أثير السادة *

لا تعدو جامعة البترول في عين طالبها المعماري حسن الشطي أن تكون لونا من الأعمدة المتشابكة والممرات المتقاطعة وسماء شاهقة تعبر منها غالبا حمائم هاربة.. هذا ماتقوله الصور الأربع التي يعرضها في فضاء مقهى جرين سيد، نتذكر من خلالها مزاج السبعينات وتصاميمها، بمثل ما نتستدعي مزاج مصورها الشطي الذي يستبدل التكوينات الساكنة بأخرى تهب الاختلاف في التقييم والتفكير داخل هذه التفاصيل.

ثمة مساحات وتكوينات جمالية أخرى في الحرم الجامعي لا يذهب لها الشطي لأنه ببساطة لا يمجد الصورة الكاملة، يحب الاقتطاع، والبحث عن التقاطعات في الأشكال والمعاني، يشكل نظرته من حالة التأمل التي تجعل كل صورة تظهر في مظهر الناظر للأعلى، قوة المكان من قوة العواطف التي تطرزها الصورة في لحظات التأمل تلك. هنا يشرح الشطي تصوره للجامعة بمثل ما يشرح أبعادها المعمارية، ينخرط كطالب في عمارة المعنى لهذا المكان الذي يعيشه كتجربة علمية وكدرس مفتوح في العمارة.

مقاربة الجامعة بمزاج معماري ستكون حتما مختلفة عن مزاج أي طالب آخر، صورة الجامعة في أذهان العابرين من فصولها أكثر قسوة، سيتذكر الطلاب صورا مشحونة بالتعب تتصل بعمارة المكان، ومنها تلك العتبات الرفيعة التي تأخذك إلى مباني الدراسة فوق ما يعرف بالجبل، أي أن المضي للدرس هو بمثابة تسلق يومي للجبال، يخرج الواحد منهم من حضانة السنة التحضيرية ليكافأ بالصعود لهذا الجبل، ويقضي باقي العمر يستعذب ويتعذب بالنور المتسلل بين الممرات.

مبان شاحبة اللون لكنها تبدو في مظهر قوي رغم كل هذه العقود التي مرت، ألوان متكررة تشبه لون الصحراء التي تجهد الجامعة على إخفائها خلف عمليات التشجير، أقواس ومنحنيات تسم العابرين بسمات التعب والسكون، لا يمكن لطالب ينهكه الدرس هناك أن ينظر للمباني بنظرة جمالية، فقسوة الدرس لا تقل عن قسوة البناء فيها، كأن كل شيء قد تشكل ونهض وفق هذا الهدف.

لم أتعرف على جامعة البترول في صور حسن، لم أجد هذا الجدل بين عمارة الإنسان وعمارة المكان فيها، كنت أطمع من هذا المعماري المشاكس أن يختبر أداوته ويحرر هذه العمارة من ألغازها، أن يشرح عمارة السبعينات وأثرها في مزاج الألفية الجديدة.. أن يروي لنا من مكانه كيف علاقة العالم الخارجي بالعالم الداخلي للطالب فيها، وأن يشاركنا أحاسيسه كطالب وكمعماري في يوميات المشي، والصعود والهبوط، ولو بنحو صورة لا تقول كل شيء، لكنها تتركنا نتأول كل الأشياء..