آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 6:12 م

المتنبي في فكر أينشتاين!! ‎‎

قيس آل مهنا *

اينشتاين ذلك العالم الفيزيائي الصرف المولود في ألمانيا وذو الأبحاث العلمية البديعة والنظرية النسبية المعقدة والرائدة ما الذي يجعله يلتقي فكرة مع المتنبي ذلك الشاعر العربي الأصل العراقي المولد ذو المكانة السامقة والممتدة ما يربو على الألف عام؟!

للوهلة الاولى ليس ثمة قاسم مشترك بينهما سوى العبقرية، عبقرية الشعر والابداع عند المتنبي وعبقرية الابداع العلمي لدى أينشتاين وهذا الظاهر للعيان.

ولكن لو نظرنا إلى نظرية اينشتاين النسبية والتي تقول باختصار وتصرف [1] :

تكمن أهمّية النظريّة النسبيّة، إلى جانب أنّها غيّرت المفاهيم الفيزيائيّة الأساسية، مُتعلّقة بالكتلة والطاقة والمكان والزّمان، وصنعت نقلة نوعيّة في فيزياء الفضاء والفيزياء النظريّة، وعدّلت نظريات الفيزياء الميكانيكيّة لنيوتن التي كانت سائدة منذ 200 عام، حيث نصّت النظريّة النسبيّة على أن حركة الأجسام تكون نسبيّة مع تغيُّر الوقت، وأن مفهوم الوقت لم يعد ثابتاً ومُحدّداً، وربطت النظريّة النسبيّة بين الزّمان والمكان بحيث تتعامل معهما كشيء واحد يُسمى الزّمكان بعد أن كان يتم التّعامل معهما كشيئين مُختلفَين، وربطت الوقت بسرعة الجسم وحركته، كما أصبحت هناك مفاهيم لتقلُّص وتمدّد الزّمن في الكون.

أمثلة على النسبية لنفترض أن هناك شخص يقوم بمشاهدة التلفاز، سوف يظنّ كل من نفسه والتّلفاز ثابتين، هذا صحيح بالنسبة للمكان الموجود به، لكن ليس صحيحاً بالنسبة للكون؛ فالشّخص والتّلفاز يتحرّكان بتأثير مجموعة من الحركات منها دوران الأرض حول الشمس، ودوران الأرض حول نفسها، وحركة النّظام الشمسيّ في مجرّة درب التبّانة، وحركة المجرّة في الكون.

ومثالا أيضا بولادة توأمين في نفس الوقت أحدهما بقي على الأرض والآخر غادر كوكب الأرض بسرعة الضوء لمدّة سنة ثم عاد بنفس السّرعة مرة أخرى للأرض، سيجد أن توأمه وصل عمره إلى خمسين سنة وهو مازال بعمر سنتين. سبب ذلك هو تمدّد الزّمن لدى التّوأم المُسافر نتيجة تحركه بسرعة الضّوء.

قضى أينشتاين معظم وقته بدراسة فيزياء نيوتن، ووجد خطأ بتعريف الزّمان والمكان عند نيوتن، حيث كان حسب قوانين نيوتن من الممكن الوصول لسرعة الضوء، لكن عند أينشتاين فهذا مستحيل؛ للافتقار إلى طاقة لانهائيّة للوصول لهذه السّرعة، وهذه الطّاقة الكونية محدودة.

وقد تكون الفقرة الأخيرة هي مكان الالتقاء بين اينشتاين والمتنبي، حيث يقول اينشتاين لا يمكن الوصول لسرعة الضوء للافتقار إلى طاقة لا نهائية.

فهل هذا ما أشار إليه المتنبي في قوله:

أريد من زمني ذا أن يبلغني

ما ليس يبلغه من نفسه الزمن

يقول البرقوقي [2]  في شرحه لهذا البيت:

إن همته أعلى من أن يكون في وسع الزمان البلوغ إليها، وهو يتمنى على الزمان أن يبلغه همته.

قالوا: ويجوز أن يكون المعنى: أطلب من الزمان استقامة الأحوال، والزمان لا يبلغ هذا من نفسه؛ لأنه لا يثبت على حال.

ويجوز أن يريد أنه يطالب الزمان بأن يخليه من الأضداد، والزمان ليس يبلغ هذا من نفسه، فإن الليل والنهار كالمتضادين.

ويجوز أن يريد: إني أقترح على الزمان الاستبقاء وهو لم ينل في نفسه البقاء، فيكون قد ألم بقول البحتري:

تناب النائبات إذا تناهت ويدمر في تصرفه الزمان

ويمكننا أن نقول أذا كان لا يمكن للزمان أن يبلغ همة وطموح المتنبي حيث أنه قاصر في ذاته عن ذلك بينما طموحه أرقى وأعلى، فهو مشابه لعدم الوصول لسرعة الضوء بحسب نظرية اينشتاين لأننا نحتاج لطاقة لا متناهية وهذا ما لا قدرة للبشر عليه حاليا على الأقل.

وقد يكون في قوله: أطلب من الزمان استقامة الأحوال، والزمان لا يبلغ هذا من نفسه؛ لأنه لا يثبت على حال، نقطة التقاء ثانية مع النظرية النسبية حيث تنص النظريّة النسبيّة على أن حركة الأجسام تكون نسبيّة مع تغيُّر الوقت، وأن مفهوم الوقت لم يعد ثابتاً ومُحدّداً.

فهناك حركة دائمة ومطردة ومتباينة بين الأجسام، وكذا هو الحال في الزمان لا يبقى على حال يتغير بصروف الليالي والأيام.

قد يكون ما طرحه المتنبي قبل ألف عام هو مجرد خيال لشاعر ليس له أدنى علاقة بقوانين الفيزياء والفلك، وقد يكون ما أراده اينشتاين وبلوره من نظرية رائدة لا علاقة له بالمتنبي وشعره بل وربما لم يسمع به قط، ولكن فكرة شاردة وخاطرة عابرة ربما انصهرتا في بوتقة الابداع البشري فتخلق منهما أروع خيال شعري وابداع علمي سيبقى حافزا للأجيال القادمة بإن من سحر البيان وحكمة الشعر ما يفتح أبوابا للتفكير والبحث قد ينتج عنها مالا يخطر ببال.

[1]  يراجع موقع موضوع.

[2]  شرح ديوان المتنبي، عبد الرحمن البرقوقي، جزء 4 ص364