آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 12:07 ص

واقعنا الأليم والتدين الخاطئ

جهاد هاشم الهاشم

هل الالتزام قائم في حياتنا ومجتمعاتنا بشكله الصحيح؟ أنحن متدينون التدين الواقعي الذي أوجبه الله سبحانه وتعالى على بني البشر؟ أم هو تدين ظاهري يهتم بالسطوح لا أكثر؟ وهذه التساؤلات من منطلق قوله تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. [سورة الحجرات الآية 14].

بمعنى آخر أن التدين والالتزام الشكلي بمفهومه العام - وكما هو حاصل عند البعض - هو الارتباط بالمقدسات والمعتقدات وممارسة الطقوس دون الارتباط بالخالق تبارك وتعالى، وبما جاء به الرسول محمد ﷺ عن القرآن الكريم من قيم وتشريعات، وبالتالي إيجاد دستور ليس المطلوب الحياد عنه على الإطلاق، ولكن للأسف الشديد يتصور البعض أن هذا النوع من التدين الظاهري وحجم التناقض الكبير الذي يعيشه البعض من خلال سلوكيات واضحة وجلية للعامة أنه قد التزم بواجباته الشرعية كما ينبغي. فتسيطر أفكاره المبنية على الأخطاء وتزين له نفسه جميل أعماله بناء على الأهواء التي هو أسير لها في واقع الحال، ويغلب عليه الشعور بالأفضلية تجاه الأخرين، فلا يرى خطاياه ولكن يبررها من منطلق قناعاته الشخصية التي أسس لها في داخله على غير منطق، وبسبب غياب الوازع الشرعي والأخلاقي والتربوي وهذا التدين السطحي الذى جعلنا نبرز الطقوس ونعجب بالمظهر دون الجوهر، وتصبح تلك الممارسات الشكلية وكأنها الدين، والتدين؛ ونتيجة لذلك انطبعت تلك السلوكيات على ذواتنا وانغمسنا فيها وانغمست فينا حتى باتت ثقافة سائدة يصعب الإقلاع عنها للعودة إلى طريق الصواب من تلك الممارسات التي لا تمت للتدين بصلة.

فالإيمان ليس مظهرًا خارجيًا فقط ولا يأتي من أطراف اللسان فهو بعيد كل البعد عن ذلك بل هو نابع من القلب، وصدق النوايا، وحسن الخلق، والتعفف عن الحرام، وغض البصر عن ما يهتك الشرف والأعراض، وكذلك الالتزام بتعاليم الخالق تبارك وتعالى، وألا ننخدع بتلك المظاهر الخارجية. بل يجب أن تتوافر قاعدة الارتباط بين الأقوال والأفعال في تحقيق مفهوم الإيمان. فالإيمان وكما أوضحته كثير من الأحاديث الشريفة هو إقرار وعمل والإسلام إقرار بلا عمل ناهيك عن أن الإيمان ليس مجرّد إقرار باللسان أو اعتقاد بالقلب أو بهما معاً لأنّه فهم سطحي قاصر إذ هذا إيمان لا روح فيه ولا حياة ما لم ينصهر بطاعة الله المطلقة وتنفيذ أوامره وترك معاصيه وكلّ ذلك في خضم المعاني السامية ومنها الوعي والسلوك والعمل.

وبما أننا ذكرنا هنا تلك المفردات أي الوعي والسلوك والعمل نرى أنها مقترنة ومتلازمة بشكل يصعب تفريقها على مستوى الفرد أو الجماعة بمعنى «فاقد الشيء لايعطيه» ولتبيان ذلك بشكل أكثر شمولية وواقعية نرى ونلمس العديد من السلوكيات التي تصدر من أفراد هم بيننا وبصورة واضحة جلية لحجم التناقض الذي أصبح متغلغلا ومتأصلا في نفوس البعض من حولنا، حتى كاد بعضهم يعتبرها ثقافة ملحة لا ضير فيها ومن ممارستها، وهي في واقع الحال صفات مخجلة مشينة لاترتقي وطبيعة الإنسان السوي المتزن وأنها سمات لاتتفق بما جاء به الرسول محمد ﷺ لبث قيم التسامح والمحبة والصدق والأمانة وغيرها من الصفات العالية التي لايختلف عليها عاقلان.

بل الأمر من ذلك نرى نمط التغيير عند البعض وهنا نؤكد على مفردة عند البعض، فالتعميم حتما لا يليق فمجتمعنا مليء بمن هم يخافون الله ويتقونه، حق تقاته بل أنتج رجالا ونساء محترمين ورعين كابحين لرغباتهم حيثما كانوا، ولكن هي إشارة فقط لبعض الذين انزلقوا عن الجادة من الطريق هداهم الله ونذكر على سبيل المثال الرشوة فالكثير نراهم في مظهرهم متدينين وهم مرتشون والرشوة من معانيها أكل الحرام - والعياذ بالله - فكيف نرتضي لذواتنا قبول تلك المخزية وبالتالي إطعام أبنائنا المُحرَم - أجارنا الله وإياكم - ونحن نعلم يقينا أن دخول المحرمات في بطوننا له أثره السلبي تجاه جميع مناحي حياتنا كالنسل والأخلاق والسلوك، فكل ذلك يتأثر لاريب بأكل المحرم ونحن مسؤولون أمام الله تبارك وتعالى عن تربية الأبناء فهم أمانة الخالق أودعها حوزتنا فيتوجب علينا مراعاة تلك الأمانة وأن نُحسن التعامل معها كما ينبغي؛ لكي نؤهلهم للاندماج في المجتمع وهم على أتم الاستعداد من البذل والعطاء ليكونوا فاعلين أسوياء يساهموا في ارتقاء ونهضة مجتمعهم بصورته المثلى. وأيضا نشاهد تناقض الشخص الذي يحسن التعامل مع محيطه القريب من زملاء وأصدقاء وغيرهم ولكن عندما يكون الأمر مع زوجته وأبنائه داخل منظومته الصغيرة يتحول إلى فرد آخر يختلف تماما عما هو خارج المنزل فنراه بخيلا قاسيا متسلطا لايراعي فيهم حرمة ولا إنسانية ولايهتم بهم ولا يتفقد شؤونهم ومتطلباتهم وبالتالي يخلق مناخا عاما داخل المنزل يطغى عليه الخوف والبؤس والحرمان والقهر الذي ينعكس سلبا - فيما بعد - على نفوس الأبناء لاشك ويصلون لمرحلة لايحمد عقباها.

كذلك بعض المثقفين والمتعلمين متألقون وشامخون في سماء نشر المعلومة وعقد الدورات والمحاضرات ومخاطبة الغير بالمثاليات ولكن عندما يتعلق الأمر بشخصه وذاته نرى تلك المثل والشعارات قد غادرت وذهبت كأنها شيء لم يكن وهذا لاشك يظهر خلاف مايبطن وهذا عملا يمقته الخالق جل في علاه. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ. [سورة الصف الآيتان 2 - 3].

وليس ببعيد عنا فالبعض يحرص على إكمال العبادات من صلاة وصيام وتلاوة القرآن وغيرها وهذا مطلب شرعي لا شك ولا خلاف فيه أبدا ولكن نراه في تعامله مع الغير لا يتناسب إطلاقا وطبيعة ماذكر فقد يكون حاد الطباع صعبَ التعامل متناسيا أن الإسلام يحرص على حسن الخلق ولين الجانب متخذين في ذلك الرسول محمد ﷺ أسوة حسنة في علو أخلاقه وحسن تعامله وبذلك يقسم الله في سورة القلم الآية [4]  على أخلاقه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم قال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ.

وفي الختام الأمثلة في ذلك المضمار لاحصر لها كالغش واستغلال ضعفاء الحال من أصحاب الدخل المحدود والمتدني من قبل تجار الجشع والطامعين بلا حدود وشاهدنا ذلك جليا للأسف في هذه الأيام من رفع أسعار الكثير من السلع الغذائية الضرورية قد تصل في بعض الأحيان إلى ضعف ثمنها غير آبهين، ومتناسين أن هناك أناسا لايستطيعون توفير قوتهم وقوت عيالهم فأين تدينهم من هذه السلوكيات التي لاتمت للشرع بصلة؟!

ومن المعلوم أن البعد عن تلمس حاجات المؤمنين من حولنا والتخلي عن مد يد العون هو تصرف يبعدنا كل البعد عن المحبة والألفة والتكاتف فيما بيننا، بل هو سلوك يهدم وينخر في لحمة المجتمع الواحد. ولنعلم أن قضاء حوائج المؤمنين والتعايش معهم والإحساس لمعاناتهم والسعي لقضاء متطلباتهم هو أمر يزيد من الترابط والوحدة، ليس لعناصر المجتمع المحلي فقط إنما للوطن كافة وهذا بطبيعة الحال يقربك من الله الواحد الأحد قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ [سورة البقرة الآية 83].

إذا مشكلتنا ليست أزمة في إقامة العبادات فالجميع يصلي ويصوم ويمارس شتى أنواع الطاعات والصدقات والأذكار وغيرها ولكن المعضلة الحقيقية كما أوضحنا في خضم سطورنا المتواضعة هي مخافة الله وتقواه وفي المعاملات وعلاقتنا بمن حولنا من الأهل والأصدقاء وبقية الأفراد فحسن الخلق وطيب المعشر وصدق النوايا ومراقبة النفس وصحوة الضمير والتعامل بما يتفق والقيم والمبادئ الأخلاقية الإسلامية الحقة هو الهدف المنشود.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
فؤاد الحمود
[ القطيف ]: 9 / 6 / 2021م - 2:12 م
شكرا لما سطره يراعك وفكرك
اخي الفاضل العنوان يعطي مؤشر ان المجتمع متهاو وشكلي بينما انتم ذكرتم وجود الخير واهله
لذا اقدم لكم نصيحة محب اجعل من الايجابية حتى في العنوان شأن حتى تساعد في البناء
وهنا احب إضافة شيء ربما يغفل عنه الكثير من الكتاب والمثقفين وليست هذه دعوة للعمل بها
ارجو منكم مراجعة الرشوة في مفهومها الديني وعلى ماذا تنطبق بما انها مفهوم ديني فقد جعل الدين لها بيان وعنوان وتطبيق وحين نستخدمه في غير محله نساهم في ثقافة مجتمع لان الكاتب عليه مسؤولية للنهوض بفكر المجتمع لا تشويه فكره لذا يمكنك مراجعة الرشوة لتجد ان ما ذكرته ليس له علاقة بالدين حتى لا ينطبق علينا العنوان ونأخذ بالتدين الخاطئ
شكرا لكم مرة اخرى
2
زينب
[ سيهات ]: 12 / 6 / 2021م - 8:07 ص
المقال جميل قلباً و قالباً و لكن عندي ملاحظة و هي ان المقال طويل جداً و هذا مما يجعل البعض يتململ لإكمال قراءة بعض النصوص و المقالات ، لا داعي للشرح المطول لمعاني معروفة للجميع خصوصاً ان القاريء في هذا الزمن لديه من الذكاء و المعرفة و الثقافة ما لا يحتاج معه للشرح بآسهاب فخير الكلام ما قل و دل .