عباس المهندس
انتظرت كثيراً من الوقت وأرجئت كتابة هذه السطور في حق إنسان رحل عن مجتمعنا قبل أيام قليلة ألا وهو الحاج المرحوم المهندس عباس الشماسي، كنت أحاول اختبار حُمْرة الجمرة التي في صدورنا وهل سيؤول أمرها إلى الرماد وهل سوف تتحول الحرارة بعد مرور الوقت إلى قليل من البرودة، ولكن كل هذه المحاولات فشلت وتأكد حتماً أنه لن يجدي مرور الوقت الطويل في منح حرارة الفقد دفئاً يفتر في لحظة الوجع والألم وهذا ما أثبتته الأيام مع رحيل المهندس عباس الشماسي التي مرّت أيام قليلة على عروج روحه إلى سماء الآخرة ومع مضي كل يوم تزداد حرارة الفراق توقداً وتزداد لوعة الفقد يوماً بعد آخر بالاتساع وعلى مثل هذه الأرواح اللطيفة لا تهدأ ألسنة النيران ولا يبرد غليلها.
إنسان بداخله إنسان.. هذا ما أثبته مجتمع القطيف الذي تسابق كل واحد في وضع بصمته ونقش اسمه مع القائمة الطويلة التي ازدحمت بالمراثي وكل واحد أبت قريحته إِلَّا أن تبوح بمشاعرها وتبث لواعجها وتعبّر عن خسارتها لغصن كبير من شجرة القطيف المتفرعة ولولا القدر المحتوم لكان له شأن فوق الشأن، المهندس «أبو فاضل» من الأشخاص الذين ينطبق عليهم المثل المعروف «الحب من أو لنظرة» ذاك الحب الذي تمنحه لإنسان وأنت لا تعرفه ولم يسبق لك أن التقيت به، مثل هذا الحب الذي ينبض وينطلق من قلبك ليحلق باحثاً عن مرفأ فلا يجد مهبطاً غير أناس هم أهل لهذا الحب العذري الطاهر، مثل المهندس عباس الشماسي تفرّد بشخصية ذات نوعيّة قرّبته من البعيدين قبل الأقربون وجمّلته للأجانب قبل المعارف، وثيم مثل هذا الإنسان قلّما يتوفر في الأشخاص إِلَّا للأشخاص الموسومون بالأخلاق الحميدة والممهدون لخلق مجتمع فاضل والمهندسين لبيئة تنعم بالترابط والإخاء والألفة، وهذا ما سعى إليه هذا الإنسان الذي ارتدى اسمه وجسّده في جميع مراحل ومحطات حياته ومثّله أفضل تمثيل على كافة الأصعدة العملية والاجتماعية وجاد بنفسه وآثر بوقته وصحته وقلبه من أجل حياة أفضل لمجتمعه ونجح في هذا الدور بكل امتياز وحقق ما حققه أبطال المواقف الاجتماعية في زمن العظماء الأوائل الذين ما زالت أرض القطيف ولّادة لهذه الأيقونات الفريدة من نوعها التي لا تتكرر كثيراً وإن تكررت فهي تتكرر بشكل آخر ولون وطراز مختلف.
الرحمة والمغفرة والرضوان لك يا مهندس العطاء والبذل الاجتماعي ولسوف تبقى روحك بيننا وحاضرة معنا في كل محافل القطيف وفي كل حكاياتنا الأسطورية عندما نسردها للأجيال المتعاقبة ونحدّثهم بأنه كان هناك رجل معنا اسمه المهندس عباس الشماسي.