آخر تحديث: 26 / 12 / 2024م - 1:42 م

أحوال العصافير في شعر المعاتيق

أثير السادة *

أقول له متهكما بأني اقتنيت إصدارك الشعري، للبحث عن الطيور، فيرد قائلا ستخرج إذن ”بعشة كاملة“، هذا هو حبيب المعاتيق، الشاعر والمصور، يغرينا في إصداره الأخير ”معلقون على الأحداق“ للعبور من فوق العتبة الأولى حتى ندخل إلى قلبه، قلب يكتب بحبر أشواقه شعرا يوقظ ما نام من مشاعرنا، وما فاض من صور الحبيب والبعيد، وما سقط من دفاترنا من روايات الطفولة ووحشة المسافة والفقد.

وإذا كانت العصافير لها ”أكثر من نصف المساحات“ في قلبه كما يقرر المعاتيق في قصيدة ”العصافير“ فإنها بالضرورة ستجعل من قصائده مسكونة بمعجم هذه الطيور وصورها، بأحوالها ومجازاتها، فهي الدليل إلى أول الصبح، وأول الطفولة، وأول الأحلام، وهو ليس استثناء في ذلك، فالشاعر كثيرا ما يمد جسوره مع الطبيعة من حوله، يأخذه إلى حدود الجمال، ويرفع عن تفاصيلها ما توارى من لغة الخيال، هي الطين الذي يصيره دائما إلى خطوات في ممرات الشعر.

سيرى في فعل الطيران سموا وارتفاعا، لذلك يصدر بيانه الأول حول الفن في نص ”أبناء الحقيقة“ ليذكر بأن ”الفن راحلة تطير“ ولا تطير القصيدة إلا به، تتكرر الدعوة للطيران في نص آخر وهو ينادي ”تعالي نطير إلى مسكن شيدته الصبابة في الغيب“، دعوة للحبيبة التي تسافر في العمر باتجاه حياة أخرى، ”دعينا نطير إلى حيث أقصى طموح الطيور“.. مرة أخرى يفتح دائرة الحلم باتجاه التحليق، والتي تراوده كحلم طفولة، وهو يتذكر في بيت آخر كيف عاش ”أحلام صغار الطير“ في زندي أمه.

من ”وله العصفور إلى العش“ إلى ”ضحكات العصافير“، إلى الأشياء الكثيرة التي تطير في نصوصه تأتي قصائد المعاتيق وبها شيء من ظلال العصافير ”التي تملأ أنفاس المدى“، كلما رف لها جناح رفت في خواطره صور وجمل ولحظات كافية لتحريضه على الدخول في قصيدة جديدة، يخفي أثر ”العصافير“ تارة، ويظهره تارة أخرى، لكنه يظل في حنين إلى معجم الطير، حيث يركض إليه خياله مرات، وحزنه في مرات أخرى.

”العصافير رفيف دائم يشبه أشواق المحبين“ هكذا يغرينا المعاتيق مرة بعد أخرى للدخول إلى عشته، عشة الشعر الفائض بالحياة، لنرى كيف ”ينام الحمام على ظلمة العش ليلا“، وكيف ”يطير القلب“، ونرى ”العصافير التي تشبه أنخاب الهوى“، ونتعرف إلى مدينته التي يسمها ب ”مهوى العصافير“، ليؤكد أنه يعشق من الطير ما يعشق من الشعر: التحليق، والرهافة، والجمال، ولغة الغزل.